فبراير 27 2024
اجتمع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في باريس يوم الاثنين لحضور قمة حول حرب الناتو مع روسيا في أوكرانيا. وفي مواجهة الانهيار الوشيك للقوات الأوكرانية التابعة لحلف شمال الأطلسي وسط خسائر فادحة، تمت الدعوة إلى القمة لوضع الأساس لإرسال قوات من حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمحاربة روسيا في أوكرانيا.
وقبل القمة، حذر رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو من أن 'الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي تدرس إرسال قواتها إلى أوكرانيا على أساس ثنائي'. وأضاف: 'لا أستطيع أن أقول لأي غرض'.
وقد أكد هذه التحذيرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن الليلة الماضية أن 'كل شيء ممكن' لمنع النصر الروسي في أوكرانيا، وأن إرسال دول أوروبية منفردة قوات إلى أوكرانيا 'ليس مستبعدا'.
وتعهد بتزويد أوكرانيا بصواريخ وقنابل متوسطة وطويلة المدى لاستخدامها ضد روسيا. وهذا يعني أن ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز وغيرهم من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي اتفقوا على إطار عمل لحرب واسعة النطاق بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا.
لخصت تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تحدث أمام مؤتمر باريس عبر رابط فيديو، الكذب الرسمي الذي يهدف إلى إخفاء التداعيات الكارثية لهذا التصعيد بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وزعم زيلينسكي أن '31 ألف جندي أوكراني قتلوا في هذه الحرب'. 'ليس 300 ألف أو 150 ألف، أو أياً كان ما يقوله بوتين ودائرته الكاذبة. لكن كل هذه الخسائر تمثل خسارة كبيرة لنا”.
وكشف بيان زيلينسكي عن ازدراءه للشعب الأوكراني، الذي يعرف أنه يكذب. وإذا كانت قوى حلف شمال الأطلسي تدعو الآن إلى إرسال قواتها إلى ساحة المعركة، فذلك لأن العدد الكبير من الجنود الأوكرانيين قتلوا كان السبب الذي أدى إلى استنزاف القوة البشرية في الجيش الأوكراني.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي إن 100 ألف جندي أوكراني قتلوا أو جرحوا، على الرغم من أن صحيفة نيويورك تايمز كتبت أن 'المسؤولين قالوا سراً إن الأرقام أقرب إلى 120 ألفاً'. وفي أغسطس الماضي نقلت صحيفة التايمز عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن أوكرانيا خسرت 70 ألف قتيل و120 ألف جريح.
وقال المسؤولون الأمريكيون الذين ينتقدون حرب أوكرانيا ولديهم إمكانية الوصول إلى تقارير استخباراتية سرية إن أرقام أغسطس 2023 هذه في الواقع أقل من الخسائر الأوكرانية، وذلك للحد من معارضة الحرب.
وقال الكولونيل الأمريكي دوجلاس ماكجريجور: “نعتقد أن الأوكرانيين فقدوا حتى الآن 400 ألف رجل قتلوا في المعركة. كنا نتحدث عن 300.000-350.000 قبل بضعة أشهر. وفي الشهر الأخير من هذا الهجوم المضاد المفترض الذي كان يهدف إلى اجتياح ساحة المعركة، فقدوا ما لا يقل عن 40 ألف قتيل.
إن الخسائر الأوكرانية اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه في أغسطس الماضي. والواقع أن 'الهجوم المضاد' الفاشل الذي شنته أوكرانيا، والذي تضمن إلقاء القوات ضد تحصينات روسية جيدة الإعداد ومدعومة بالألغام والمدفعية الثقيلة والطائرات بدون طيار، لم يتم إلغاؤه حتى نوفمبر/تشرين الثاني. ومنذ ذلك الحين، عانت القوات الأوكرانية من هزائم كارثية على طول خط المواجهة، وكان آخرها إخلاء أفديفكا وسط تقارير تفيد بأنها عانت من سقوط 1500 قتيل يومياً.
ووجد تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست عن الجبهة الأوكرانية أن عدة كتائب مشاة لم يتبق منها سوى 40 رجلاً من أصل 200 رجل. وحذر أحد قادة الكتيبة الصحيفة من أن 'الجبهة ستنهار في مكان ما'.
إن الخسائر الكارثية في أوكرانيا تشكل تحذيراً إذ إن الدول الأوروبية الأخرى سوف تتكبد أيضاً خسائر مروعة إذا شنت حرباً على روسيا. ومن الجدير بالذكر الدراسة التي أجريت في سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة كلية الحرب العسكرية الأمريكية، والتي دعت الولايات المتحدة إلى إعادة التجنيد الإجباري حتى تتمكن من استيعاب الخسائر التي قد تتكبدها في حرب مع روسيا. وتوقعت أن يسقط الجيش الأمريكي 3600 ضحية يوميا، أو 1.3 مليون سنويا، في هذه الحرب التي تلوح في الأفق.
علاوة على ذلك، فإن الوفيات والإصابات لن تقتصر على ساحة المعركة. ويكاد يكون من المؤكد أن الإدخال المباشر لقوات حلف شمال الأطلسي في الحرب ضد روسيا سوف يتصاعد إلى صراع نووي، حيث قد يصل عدد القتلى والجرحى إلى عشرات ومئات الملايين.
إذا كان زيلينسكي يكذب بهذه الوقاحة بشأن عدد قتلى الحرب، فما الأكاذيب التي أطلقها هو وحلفاؤه في الناتو؟ الجواب هو: كل شيء.
إن السرد الذي لفقته قوى حلف شمال الأطلسي حول حرب أوكرانيا، لتبرير خطط التصعيد العسكري التي تم وضعها خلف ظهر السكان، هو نسيج من الأكاذيب التي يجب رفضها. وبدلا من ذلك، يجب تعبئة العمال والشباب سياسيا لوقف الحرب.
إن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا تكذب بلا هوادة بشأن أصول الحرب الأوكرانية، مدعية أنها حالة من العدوان الروسي غير المبرر. ولكن في نهاية هذا الأسبوع، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، لتبرير دعوتها الكونجرس الأميركي إلى تمرير تشريع ينص على توفير مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار، مقالاً يشرح بالتفصيل كيف تخدم أوكرانيا كأصل قيم لبرامج التجسس والاغتيالات التي تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ضد روسيا. وكتبت: 'إن تفاصيل هذه الشراكة الاستخباراتية، والتي كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن العديد منها لأول مرة، كانت سراً خضع لتكتم مشدد لمدة عقد من الزمن'.
وبالتالي، فإن 'السر الخاضع لحراسة مشددة' ن قبل وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية المتواطئة هو أن الناتو هو الذي استفز الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. فمنذ الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة في كييف عام 2014 وي أدى إلى تثبيت النظام الحالي في أوكرانيا، أنفقت قوى الناتو عشرات ومئات المليارات من الدولارات لبناء أوكرانيا كقاعدة عسكرية. قام النظام الرأسمالي المفلس في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي في روسيا بغزو أوكرانيا كمناورة دفاعية في الأساس، في محاولة للضغط على ما يسميه 'شركائه الغربيين'، أي القوى الإمبريالية في حلف شمال الأطلسي، للتخلي عن سياساتهم الأكثر عدوانية ضد روسيا.
ومنذ أن قامت البيروقراطية الستالينية بحل الاتحاد السوفييتي في عام 1991، شنت قوى الناتو حروباً في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وأفريقيا، مما أسفر عن مقتل الملايين. وقد مكّن هذا الهيجان الدموي قوى الناتو من نهب العالم، في حين فرضت التقشف الاجتماعي وعززت الدولة العسكرية البوليسية ضد العمال في الداخل.
ويأتي تفكك الجبهة الأوكرانية في ظل ظروف فقدت فيها الأكاذيب المستخدمة لتبرير هذه الحروب مصداقيتها بشدة. إن 'أسلحة الدمار الشامل' العراقية التي استخدمتها واشنطن كذريعة لغزو العراق الغني بالنفط في عام 2003 لم تكن موجودة. إن حروب حلف شمال الأطلسي التي شنتها في ليبيا وسوريا في عام 2011، والتي كان من المفترض أن تدافع عن الديمقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية المرتبطة بروسيا، أعقبها دعم قوى الناتو للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد غزة. وسط تزايد الغضب الاجتماعي والإضرابات ضد التضخم والتقشف، تتكشف الاحتجاجات الحاشدة ضد الإبادة الجماعية في غزة في أمريكا وأوروبا وعلى المستوى الدولي.
تتفاعل الطبقة الحاكمة الأوروبية مع هذه الأزمة من خلال التحول إلى أقصى اليمين. وخوفا من أن تؤدي هزيمة أوكرانيا إلى تفجير صرح الأكاذيب بأكمله الذي يستخدم لتبرير حروبها الإمبريالية في الخارج والحرب الطبقية في الداخل، فقد فتحت الطريق أمام الحرب العالمية الثالثة للانفجار في جميع أنحاء أوروبا والعالم.
إن الطريق إلى الأمام بالنسبة للطبقة العاملة، مع تحول الطبقة الحاكمة إلى الحرب العالمية، هو التحول إلى منظور ثوري دولي. إن المهمة العاجلة، وسط الإضرابات المتزايدة ضد التضخم والتقشف والمعارضة الدولية الحاشدة للإبادة الجماعية في غزة، تتلخص في بناء حركة دولية مناهضة للحرب تتمركز في الطبقة العاملة وتناضل من أجل الاشتراكية.