8 مايو 2017
ننشر هنا نص المحاضرة التي ألقاها يوم السبت 6 مايو جيمس كوجان، السكرتير الوطني لحزب المساواة الاشتراكية (أستراليا). كانت هذه هي الخامسة في سلسلة من المحاضرات الدولية عبر الإنترنت التي قدمتها اللجنة الدولية للأممية الرابعة بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الروسية عام 1917.
***
عندما اندلعت ثورة فبراير في بتروغراد عام 1917، كان فلاديمير إيليتش لينين، زعيم الحزب البلشفي، في المنفى السياسي على بعد حوالي 2400 كيلومتر، في زيوريخ، في سويسرا. لقد مرت حوالي 10 سنوات منذ أن أُجبر على الفرار من روسيا في أعقاب ثورة 1905، هرباً من السجن أو حتى من حكم الإعدام من قبل النظام القيصري.
روت ناديجدا كروبسكايا، زوجة الزعيم البلشفي وأحد أقرب رفاق لينين السياسيين، أنه بينما كانا ينهيان الغداء في أوائل شهر مارس، وفقاً للتقويم اليولياني، اندفع الماركسي البولندي ميتشسلاف برونسكي إلى شقتهما. صرخ: 'ألم تسمعا الأخبار؟ هناك ثورة في روسيا!
كتبت كروبسكايا في ذكرياتها عن لينين عام 1933:
بعد أن رحل برونسكي، نزلنا إلى البحيرة، حيث كانت جميع الصحف معلقة على شاطئها بمجرد صدورها.
قرأنا التقارير عدة مرات. لقد حدثت ثورة بالفعل في روسيا. ذهب عقل إيليتش للعمل على الفور. لا أكاد أتذكر كيف مر بقية النهار والليل. وفي اليوم التالي، وجدت الدفعة الثانية من التقارير الرسمية حول ثورة فبراير أن إيليتش كتب إلى كولونتاي في ستوكهولم: 'لن يتكرر أبداً ما جرى على غرار الأممية الثانية! أبداً مرة أخرى مع كاوتسكي! نريد بكل الوسائل برنامج وتكتيكات أكثر ثورية. وتابع: '... كما كان من قبل، يجب أ، تكون الدعاية الثورية والتحريض والنضال بهدف ثورة بروليتارية عالمية والاستيلاء على السلطة من قبل سوفييت نواب العمال...' [1]
جغرافياً، كان لينين معزولاً بالتأكيد عن روسيا. لكن هذا لا يعني أنه لم يكن له أي تأثير. حافظت القيادة البلشفية في المنفى في زيورخ، التي لم تتألف من لينين وكروبسكايا فحسب، بل أيضاً من الثوريين البارزين مثل إينيسا أرماند، على أكبر قدر ممكن من الاتصال مع المنظمة البلشفية غير الشرعية في روسيا، - بشكل رئيسي من خلال الرسائل والبرقيات التي أُرسلت إلى أشخاص موثوق بهم مثل ألكسندرا كولونتاي في السويد المحايدة، و تم تهريبها بعد ذلك إلى فنلندا، ثم إلى سان بطرسبرج، ومن هناك، نُشرت تدريجياً على نطاق أوسع.
في مارس 1917، اقترب لينين من عيد ميلاده السابع والأربعين. وكانت الظروف التي عاش فيها سيئة، بعبارة ملطفة. وروت كروبسكايا أن غرفتهم كانت 'في منزل قديم قذر، بُني، على ما أعتقد، في القرن السادس عشر، وكان به فناء كريه الرائحة'. وأشارت إلى أنه بحلول أواخر عام 1916، ' خفضنا نفقات معيشتنا إلى الحد الأدنى'.[2] عانى البلاشفة المنفيون من نقص الموارد، وهو العامل الذي ساهم بلا شك في مشاكل لينين الصحية.
انبثقت استجابة لينين لثورة فبراير من المنظور الأممي الذي ناضل من أجله طوال حياته السياسية، ولا سيما في أعقاب خيانة الأممية الثانية في أغسطس 1914، عندما دعمت غالبية أحزابها وقادتها طبقتهم الرأسمالية في الحرب العالمية الأولى.
وحتى بين الماركسيين الذين عارضوا الخيانة، مثل لينين أقلية.
غالبية التيار المناهض للحرب، والذي أصبح يعرف باسم تزيمرفالد الدولية، على اسم القرية التي اجتمعت فيها عام 1915، أيدت سياسة الضغط على حكومات البلدان المتحاربة للدخول في محادثات سلام.
أصر لينين على أن الثورة الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا وفي جميع أنحاء العالم هي وحدها القادرة على ضمان السلام الدائم ومستقبل الحضارة. كان لا بد من تكريس كل عمل الماركسيين والأمميين الحقيقيين لتطوير الصراع الطبقي في بلادهم وإعداد الظروف للإطاحة بطبقتهم الحاكمة، وهو المنظور الثوري الذي تجسد في شعار لينين: 'تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية.'
بدأ القرار الذي كتبه لينين لـ 'اليسار' في مؤتمر زيمروالد المناهض للحرب في عام 1915:
ولدت الحرب الحالية من رحم الإمبريالية. لقد وصلت الرأسمالية بالفعل إلى أعلى مرحلة. لقد تجاوزت قوى المجتمع الإنتاجية الحدود الضيقة للدول القومية الفردية… العالم كله يندمج في كائن اقتصادي واحد؛ لقد تم تقسيم بين حفنة من القوى العظمى. لقد نضجت الشروط الموضوعية للاشتراكية تماماً، والحرب الحالية هي حرب الرأسماليين من أجل الامتيازات والاحتكارات التي قد تؤخر سقوط الرأسمالية.[3]
وخلص مشروع قرار يسار تزيمرفالد إلى ما يلي:
إن الحرب الإمبريالية تبشر بعصر الثورة الاجتماعية. إن جميع الظروف الموضوعية في العصر الحديث قد وضعت النضال الجماهيري الثوري للبروليتاريا على سلم أولوياتها. من واجب الاشتراكيين، وهم يستخدمون كل وسائل النضال القانوني للطبقة العاملة، إخضاع كل واحدة من تلك الوسائل لهذه المهمة العاجلة والأكثر أهمية، وتنمية الوعي الثوري للعمال، وحشدهم في الثورة الأممية. يجب النضال وتعزيز وتشجيع أي عمل ثوري، وبذل كل ما هو ممكن لتحويل الحرب الإمبريالية بين الشعوب إلى حرب أهلية للطبقات المضطهدة ضد مضطهديها، حرب من أجل مصادرة ثروات طبقة الرأسماليين، من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية. من قبل البروليتاريا وتحقيق الاشتراكية. [4]
وأصر لينين على أن هذا المنظور يتطلب إنشاء أممية ثالثة جديدة تتألف فقط من أحزاب ملتزمة بالثورة الاشتراكية العالمية. فيما يتعلق بهذه المسألة، قبل كل شيء، لم يحظ لينين بالدعم في تزيمرفالد الدولية. تشبثت الأغلبية بإمكانية عودة الأممية الثانية إلى الماركسية.
كان لينين مقتنعاً بأن التناقضات التي دفعت الإمبريالية إلى الحرب العالمية ستدفع الطبقة العاملة إلى النضالات الثورية، وأن المهمة الأهم للماركسيين هي الاستعداد لها. لكنه لم يستطع التنبؤ بموعد اندلاع تلك الثورة، أو أين ستبدأ.
في الواقع، في يناير 1917، في خطاب ألقاه أمام جمهور جمعه الشباب الماركسي في زيورخ، اختتم لينين كلامه بالكلمات التالية: 'نحن الجيل الأكبر سناً قد لا نعيش لنرى المعارك الحاسمة في هذه الثورة القادمة'. [5]
وبعد أسابيع فقط، اندلعت ثورة فبراير وعاش لينين ليرى ويقود 'المعارك الحاسمة لهذه الثورة القادمة'.
ضغط 'الدفاع الثوري'
كانت القضية المركزية التي واجهت لينين وغيره من المنفيين الثوريين في سويسرا هي كيفية العودة إلى روسيا. سويسرا بلد غير ساحلي. في ذلك الوقت، كانت تحدها إيطاليا من الجنوب، وفرنسا من الغرب، والإمبراطورية النمساوية المجرية من الشرق، والإمبراطورية الألمانية من الشمال. وكانت روسيا في حالة حرب مع كل من النمسا وألمانيا، وكانت متحالفة مع فرنسا. لم تكن الطبقة الحاكمة الفرنسية مستعدة لمساعدة شخصية مناهضة للحرب مثل لينين على العودة إلى روسيا.
وكان الوقت جوهريا.
وكما توقع لينين والبلاشفة، وكما توقع ليون تروتسكي بشكل أكثر وضوحاً، في نظريته عن الثورة الدائمة، لعبت الطبقة العاملة الدور القيادي في الثورة. و انضم إلى العمال مئات الآلاف من الجنود، تحدر معظمهم، في خلفيتهم الطبقية، من القطاعات الدنيا والأفقر من قطاع الفلاحين الزراعيين واسع النطاق في روسيا.
كان الوضع في روسيا بمثابة 'ازدواجية السلطة '. وكانت السلطة الحقيقية، بمعنى الدعم النشط للجماهير، في أيدي السوفييت، الذين كانت سلطتهم مدعومة بقوة الجنود المسلحين والميليشيات العمالية. ومع ذلك، كان قادة الحزب المناشفة والاشتراكيين الثوريين (SR) في السوفييت يعملون بوعي على نقل السلطة إلى الحكومة المؤقتة التي أنشأتها الأحزاب البرجوازية، والتي كانت تمثل الطبقة الرأسمالية ويكن لديها علاقات وثيقة مع جهاز الدولة القيصرية التي لا تزال سليمة إلى حد كبير.
أصرت الأحزاب البرجوازية على أن على روسيا أن تواصل الحرب ضد ألمانيا والنمسا-المجر، وأن تفي بالتزاماتها تجاه حلفائها الإمبرياليين البريطانيين والفرنسيين. وطالبت بتأجيل مناقشة القضايا الأخرى، حتى عندما يتم انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، حتى 'النصر' في الحرب. كان لا بد من إعادة الجنود إلى الانضباط العسكري، وكان على العمال المسلحين تسليم أسلحتهم إلى الدولة.
لكن الطبقة العاملة طرحت مطالبها الخاصة. لقد أجبرت، من خلال أفعالها المستقلة، أي أصحاب العمل الرأسماليين على القبول بيوم عمل مكون من ثمان ساعات. لقد أنشأت درجة من السيطرة على المصانع وأماكن العمل. ودعت إلى مراقبة الأسعار واتخاذ تدابير أخرى للتخفيف من ظروف حياتها. وقبل كل شيء، طالب العمال بوضع حد لكارثة الحرب، التي أودت بحياة نحو 1.75 مليون جندي روسي وخلفت ملايين آخرين من الجرحى الجسديين أو المصابين بالصدمات النفسية.
ومثل العمال، طالب الجنود بدورهم بالسلام. وكما لاحظ تروتسكي في كتابه تاريخ الثورة الروسية، فإن الجنود الفلاحين استنتجوا بحق أن الإصلاح الزراعي والحريات الديمقراطية لن يعني الكثير بالنسبة لهم إذا ماتوا.[6]
انعكست مطالب الطبقة العاملة والجنود أكثر وضوحا في قرارات قطاعات العمال والجيش المتأثرة بالبلشفية، والتي دعت السوفييت إلى الاستيلاء على السلطة بأيديهم.
وسرعان ما برزت مسألة الحرب إلى مركز الاهتمام. كان القادة المناشفة في السوفييت، الذين عارضوا حتى ذلك الحين يعارضون التدخل الروسي شفهيا، مثل تشخيدزه وتسيريتيلي، جنباً إلى جنب مع زعيم الاشتراكيين الثوريين ألكسندر كيرينسكي، الذي تولى وزارة في الحكومة المؤقتة، وأكدواأن ثورة فبراير، والمكاسب التي حققتها لقد حققت و'حوّلت' طابع مشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى. وأعلنوا أنها لم تعد حرباً للنهب من جانب روسيا، بل حرباً للدفاع عن 'الديمقراطية' والثورة ضد الألمان والنمساويين المجريين وضد النزعة العسكرية، مبررة الحرب المعروفة باسم 'النزعة الدفاعية الثورية'.
وفي 14 مارس/آذار، تبنت اللجنة التنفيذية التي سيطر عليها المناشفة والثوريون الاشتراكيون في سوفييت بتروغراد 'بياناً إلى العالم'، معلناً أن روسيا تريد السلام، لكنها 'ستدافع بقوة عن حرياتنا'. ودعت العمال الألمان والنمساويين إلى 'رفض العمل كأداة للغزو والنهب في أيدي الملوك وملاك الأراضي والمصرفيين!'[7]
وكما لاحظ تروتسكي لاحقاً في كتابه تاريخ الثورة الروسية، لم يتم طرح مثل هذه المطالب لرفض تحالفات روسيا الإمبريالية مع بريطانيا وفرنسا، ولرفض العمل 'كأداة للغزو' من قبل العمال البريطانيين والفرنسيين، ناهيك عن اتخاذ إجراءات ضد الملاك والمصرفيين في روسيا. ومع ذلك، فقد تمت الموافقة على البيان بالإجماع من قبل سوفييت بتروغراد.
ومن بين أولئك في السوفييت الذين أيدوا بيان اللجنة التنفيذية في 14 مارس كان العشرات من المندوبين البلاشفة. جاء ذلك في أعقاب سلسلة من الحالات التي تكيفت فيها اللجان البلشفية مع مواقف المناشفة والاشتراكيين الثوريين وأعربت عن 'دعمها الحاسم' للحكومة المؤقتة الجديدة، في مواجهة الخلاف العنيف بين أقسام الحزب في معاقل الطبقة العاملة مثل فيبورغ في منطقة بتروغراد.
في 15 مارس، أي اليوم التالي لـ 'البيان السوفييتي إلى العالم'، والذي عكس الضغوط الطبقية الهائلة على الحزب، كتب الزعيم البلشفي ليف كامينيف، الذي سيطر مع جوزيف ستالين على صحيفة الحزب برافدا، في افتتاحية: 'بينما لا يوجد سلام، يجب على الناس أن يبقوا صامدين في مواقعهم، ويردون على الرصاصة بالرصاص و على القذيفة بقذيفة'. [8]
كتب ستالين في اليوم التالي: 'إن شعارنا ليس الصرخة الفارغة تسقط الحرب!' التي تعني فوضى الجيش الثوري والجيش الذي أصبح أكثر ثورية من أي وقت مضى. شعارنا هو ممارسة الضغط على الحكومة المؤقتة لإجبارها على القيام، دون فشل، وبشكل علني وأمام أعين الديمقراطية العالمية، بمحاولة لحث جميع البلدان المتحاربة على بدء مفاوضات فورية لإنهاء الحرب العالمية. وحتى ذلك الحين، ليبقى الجميع في موقعه'. [9]
عارضت أقسام من الحزب البلشفي خط البرافدا. لكن ليس هناك شك في أن هناك اتجاها تطور داخل الحزب نحو قبول الحكومة المؤقتة، والإذعان لسيطرة المناشفة والاشتراكيين الثوريين على السوفييت، ونحو الحد من النضال المستقل للطبقة العاملة وتقليصه.
تم تجاهل الخط السياسي الذي أوضحه لينين في 'رسائله من بعيد'، أي عدم تقديم الدعم للحكومة البرجوازية، عدم وجود تغيير في معارضة الحزب للحرب والنضال من أجل الاستيلاء على السلطة من قبل السوفييت والطبقة العاملة ، من قبل القيادة البلشفية في الحزب ولم يتم نشر سوى رسالة واحدة فقط من رسائله الأربع في برافدا، وتم تحويرها بشكل كبير، بما في ذلك إزالة المقطع الذي أدان فيه لينين أي شخص يقدم الدعم للحكومة المؤقتة باعتباره 'خائناً للعمال، وخائناً لقضية العمال. البروليتاريا من أجل قضية السلام والحرية'. [10]
كانت حجة كامينيف وستالين هي أن الدعم الحاسم للحكومة المؤقتة كان ضرورياً لتعزيز مكاسب فبراير وخلق أفضل الظروف للبلاشفة للنضال من أجل إنشاء 'ديكتاتورية العمال والفلاحين ' في المستقبل والتي من شأنها 'تكمل' الثورة البرجوازية في روسيا.
وكما كتب تروتسكي: 'كان فصيل كامينيف-ستالين يحول نفسه بشكل مطرد إلى الجناح الأيسر لما يسمى بالديمقراطية الثورية، و شارك في آليات الضغط البرلماني في الممرات على البرجوازية'. [11]
وبحلول نهاية شهر مارس، كانت المناقشات جارية على مستويات مختلفة حول إعادة توحيد الاتجاهين البلشفي والمنشفي المنقسمين منذ فترة طويلة، على أساس دعمهما المتبادل، سواء كان انتقادياً أو غير ذلك، للحكومة المؤقتة و'النزعة الدفاعية الثورية'.
في الخلفية، بينما كانت الأحزاب في السوفييت تسعى إلى تسليم السلطة إلى الحكومة المؤقتة، كانت عناصر داخل الأحزاب البرجوازية تتآمر مع جنرالات القيصر السابقين في اليوم الذي تم فيه صد الثورة بما يكفي لتنفيذ القمع الدموي للعمال.
ومع كل تسوية من جانب السوفييت، والبلاشفة على وجه الخصوص، كان خطر الثورة المضادة يتزايد.
القطار المُغلق
كان لدى لينين فهم عميق لمسؤولياته والتأثير المحتمل لقراراته وأفعاله كزعيم سياسي. لقد أدرك خطورة الوضع. لقد تحول الحزب البلشفي إلى دعم للطبقة الرأسمالية واستمرار الحرب.
على الرغم من السنوات التي قضاها في المنفى، عرف لينين جودة حزبه وأعضائه. لقد تلقوا تعليماً ماركسياً، وكانوا واعين سياسياً وملتزمين بقضية الاشتراكية. وكان يتوقع أن يواجه موقفا كامينيف وستالين مقاومة داخل الحركة البلشفية وقاعدتها. على أي حال، تحركت الأحداث داخل روسيا بسرعة مذهلة، وكان الحزب البلشفي في أزمة، وكان وجوده الخاص في بتروغراد حاسماً.
في مناقشة بين المنفيين الروس في زيورخ في 19 مارس، اقترح زعيم المناشفة يوليوس مارتوف إمكانية الحصول على موافقة الحكومة الألمانية للسماح لهم بالمرور عبر ألمانيا. يمكنهم بعد ذلك عبور بحر البلطيق إلى السويد، والسفر إلى روسيا عبر فنلندا. في المقابل، اقترح مارتوف، أن يتعهدوا بتقديم التماس إلى روسيا للإفراج عن أسرى الحرب الألمان.
استولى لينين على الفكرة. وكان يدرك تمام الإدراك أن الشوفينيين الروس سيحاولون تشويه سمعة أي شخص يعود عبر ألمانيا باعتباره قد قبل المساعدة من ما يسمى 'العدو'. لذلك أصر على أن شروط عبوره كانت شفافة ولا تتضمن أي تنازل عن المبدأ الثوري.
تم التفاوض على الشروط من قبل الماركسي السويسري فريتز بلاتن مع السفارة الألمانية في زيورخ.
وكانت، كما روت كروبسكايا:
* السماح للمنفيين الروس بالمرور عبر ألمانيا بغض النظر عن موقفهم من الحرب.
* أنه لا يجوز لأحد أن يدخل عربات القطار التي تحمل المنفيين دون إذن بلاتن.
* عدم تفتيش أمتعة المنفيين أو تفتيش جوازات سفرهم.
* أن يتعهد المنفيون بالتحريض على إطلاق سراح عدد مماثل من المعتقلين الألمان والنمساويين في روسيا. [12]
غادر ما يسمى 'القطار المُغلق' زيوريخ في 27 مارس، وعلى متنه لينين و29 آخرين، بما في ذلك القادة البلاشفة مثل كروبسكايا، وإينيسا أرماند، وغريغوري زينوفييف.
وفي 31 مارس، بعد عبور بحر البلطيق، وصلوا إلى السويد. ومن هناك، عبروا إلى فنلندا واستقلوا القطار إلى بتروغراد. وتذكر كروبسكايا أن لينين 'سألنا عما إذا كان سيتم القبض علينا عند وصولنا'. وكتبت أن رفاقه 'ابتسموا'.[13]
وصل لينين إلى محطة فنلندا في بتروغراد في وقت متأخر من مساء يوم 3 أبريل 1917.
وبعيداً عن إلقاء القبض عليه، استقبله الآلاف من العمال والجنود المتحالفين مع البلاشفة، وسلموه باقة من الورود. تم الترحيب به شخصياً نيابة عن السوفييت من قبل المنشفي ألكسندر شخيدزه، الذي حثه على دعم الخط التصالحي للجنة التنفيذية للسوفييت.
وبدلاً من ذلك، وجه لينين دعوة متحمسة للثورة الاشتراكية. في السر، انتقد كامينيف بسبب الموقف السياسي الدفاعي المؤيد للحرب الذي تم طرحه في برافدا.
أطروحات نيسان/أبريل وإعادة تسليح الحزب
وصف ليون تروتسكي ما تلا ذلك بأنه 'إعادة تسليح الحزب'.
في اليوم التالي، 4 أبريل، قدم لينين 'أطروحات أبريل' إلى اجتماع المندوبين البلاشفة إلى سوفييت بتروغراد لنواب العمال والجنود؛ ثم مرة أخرى إلى اجتماع مشترك لمندوبي كل من البلاشفة وتيار المناشفة المنافس.
ما هي أطروحات أبريل؟ تتكون الوثيقة من 10 نقاط. وأوجز موقف لينين تجاه الحكومة المؤقتة والحرب وتقييمه للأهمية التاريخية للسوفييتات كشكل جديد وأعلى للدولة. لقد أوضح التدابير الاقتصادية العاجلة التي كانت ضرورية بشكل موضوعي لمعالجة ظروف الطبقة العاملة والفلاحين الريفيين داخل روسيا؛ ودعت إلى إعادة تسمية الحزب من حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي إلى الحزب الشيوعي.
وفي الختام، وربما كان الأمر الأكثر أهمية، أصر لينين على أنه يجب على البلاشفة أخذ زمام المبادرة وإنشاء أممية ثورية جديدة، ليس فقط ضد أحزاب الأممية الثانية التي خانت الاشتراكية من خلال دعم برجوازياتها في الحرب، ولكن ضد جميع هؤلاء 'الوسطيون' الذين رفضوا الانفصال عن تلك الأحزاب.
سأقوم الآن بمراجعة أطروحات أبريل.
النقطة الأولى: لا تغيير في موقف الحزب من الحرب.
في موقفنا من الحرب، التي تظل من جانب روسيا بلا شك، في ظل حكومة لفوف وشركاه الجديدة، حرباً إمبريالية مفترسة بسبب الطبيعة الرأسمالية لتلك الحكومة، لا يجوز تقديم أدنى تنازل عن 'النزعة الدفاعية الثورية'….
في ضوء الصدق الذي لا شك فيه لتلك القطاعات العريضة من الجماهير المؤمنة بالنزعة الدفاعية الثورية التي قبلت الحرب فقط كضرورة، وليس كوسيلة للغزو، في ضوء حقيقة خداعها من قبل البرجوازية، فمن من الضروري أن يشرحوا لها خطأها بعناية ومثابرة وصبر، وأن يشرحوا العلاقة التي لا تنفصم بين رأس المال والحرب الإمبريالية، وأن يثبتوا أنه بدون الإطاحة برأس المال، من المستحيل إنهاء الحرب بسلام ديمقراطي حقيقي، سلام لا يفرضه العنف.[14]
فيما يتعلق بهذه النقطة، كان مقارنة لينين بين الطموحات المفترسة للبرجوازية و'صدق' الجماهير التي كانت متمسكة بالموقف الثوري الدفاعي، أمرًا بالغ الأهمية. لقد استندت إلى تراث البلشفية بأكمله، والتي اعتمدت منذ كتاب لينين 'ما العمل؟'، على فهم أنه يجب إدخال الوعي الاشتراكي وإدخاله إلى الطبقة العاملة، ضد وعيها البرجوازي العفوي.
كان على الحزب الماركسي، كما أصر لينين والبلاشفة دائما، أن يعارض الوعي البرجوازي للطبقة العاملة، تحت جميع الظروف، وأن 'يشرح بصبر'، لإقناعهم، لكسبهم إلى وجهة نظر اشتراكية. ومن بين العمال المتقدمين سياسيا، الذين تعلموا وتأثروا على مدى عقود من قبل البلاشفة، كان تلخيص هذا الفهم الأساسي، في ظل ظروف الضغط الشديد للتكيف مع المشاعر السائدة، أمرا بالغ الأهمية.
قال لينين للكوادر البلشفية، لا يهم إذا كان الحزب في وضع الأقلية في الوقت الحاضر. وكانت المهمة هي قول الحقيقة. إن منطق الصراع الطبقي سيجعل كيرينسكي والمناشفة يفضحون طابعهم المضاد للثورة. وفي هذه المرحلة الحرجة، فإن تقاطع برنامج الحزب مع التطورات الموضوعية من شأنه أن يمكن البلاشفة من كسب جماهير الطبقة العاملة إلى منظور الثورة الاشتراكية.
النقطة 2: اعتناق لينين لنظرية 'الثورة المتواصلة' أو 'الدائمة'، المرتبطة قبل كل شيء بليون تروتسكي.
السمة المميزة للوضع الحالي في روسيا هي أن البلاد تمر من المرحلة الأولى من الثورة، التي وضعت السلطة في أيدي البرجوازية، بسبب عدم كفاية الوعي الطبقي و ضعف تنظيم البروليتاريا، إلى المرحلة الثانية، المرحلة التي يجب أن تضع السلطة في أيدي البروليتاريا وأفقر قطاعات الفلاحين. [15]
لقد حاجج لينين، ضد تروتسكي، بأن تخلف روسيا الاقتصادي والاجتماعي كان عائقاً موضوعياً أمام الطبقة العاملة لإنشاء حكومة عمالية وفرض دكتاتورية البروليتاريا. كان الجزء الأكبر من السكان، وهم الفلاحون الريفيون الضخمون، من الطبقة البرجوازية الصغيرة وكان لديهم طموحات فقط لإصلاح زراعي والحقوق الديمقراطية. ولم يكن لديهم مصلحة طبقية أساسية في الاشتراكية.
لذلك، وضع لينين نظرية حول إنشاء نوع من النظام الوسيط في روسيا هي 'ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية ' حيث تعمل الحركة الاشتراكية العمالية في تحالف مع الأحزاب الأكثر تطرفاً القائمة على الفلاحين تنفيذ الإصلاح الزراعي وتوسيع نطاق الديمقراطية إلى أقصى حد ممكن. وهذا من شأنه أن يحفز التنمية الاقتصادية الأسرع في البلاد، وتوسيع الطبقة العاملة، وخلق أفضل الظروف للتنفيذ اللاحق للتدابير الاشتراكية.
ما تركه لينين دون إجابة هو أي طبقة، وبالتالي أي المصالح، ستهيمن في مثل هذه 'الدكتاتورية الديمقراطية'، وبالتالي كيف ستستجيب للانفجار الحتمي للصراع بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة.
في أبريل 1917، أعلن لينين بوضوح عن تأييده لإقامة دولة عمالية، من شأنها أن تفوز وتحافظ على ولاء غالبية الفلاحين من خلال تنفيذ الإصلاح الزراعي والديمقراطية إلى أقصى حد.
من المؤكد أن روسيا، في عزلتها، اتسمت بالتخلف الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك، على المستوى العالمي، وكما قيم لينين، فإن الحرب الإمبريالية أشارت إلى أن الظروف الموضوعية للاشتراكية، أي وجود اقتصاد عالمي متكامل، قد نضجت بالكامل. كانت مهمة الطبقة العاملة في روسيا هي اغتنام إمكانية الاستيلاء على السلطة واستخدامها لدفع قضية الثورة العالمية. سيتم تطوير روسيا كجزء من تطوير التخطيط الاشتراكي الدولي.
وفي المناقشات داخل الحزب البلشفي، اتُهم لينين بشكل مشروع بـ 'التروتسكية' بسبب هذا الموقف. في كل أساسياته، كان خط أطروحات أبريل متوافقاً مع نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة.
النقطة الثالثة: لا يوجد دعم للحكومة المؤقتة. وفي توبيخ شديد لكل من القيادة السوفييتية وفصيل كامينيف-ستالين في الحزب البلشفي، أعلنت أطروحات أبريل بصراحة:
لا يوجد دعم للحكومة المؤقتة؛ وينبغي توضيح الزيف المطلق لجميع وعودها، وخاصة تلك المتعلقة بالتخلي عن ضم الأراضي.
فضح 'المطالبة' غير المسموح بها والتي ولدت وهم بأن هذه الحكومة، حكومة الرأسماليين، يجب أن تتوقف عن أن تكون حكومة إمبريالية.[16]
النقطة الرابعة: تقييم موضوعي لتوازن القوى وأهمية السوفييتات.
الاعتراف بحقيقة أن حزبنا مثل أقلية في معظم سوفييتات نواب العمال، أقلية صغيرة حتى الآن، مقابل كتلة من جميع العناصر الانتهازية البرجوازية الصغيرة، من الاشتراكيين الشعبيين والاشتراكيين الثوريين حتى اللجنة المنظمة (تشخيدزه، تسيريتيلي، الخ)، ستيكلوف، الخ، الذين استسلموا لنفوذ البرجوازية ونشروا هذا النفوذ بين البروليتاريا.
يجب أن نجعل الجماهير ترى أن مجالس نواب العمال هي الشكل الوحيد الممكن للحكومة الثورية، وبالتالي فإن مهمتنا هي، ما دامت هذه الحكومة خاضعة لتأثير البرجوازية، وتقديم تفسير صبور منتظمة، والتفسير المستمر لأخطاء تكتيكاتهم، وهو تفسير يتكيف بشكل خاص مع الاحتياجات العملية للجماهير.
وطالما أننا من الأقلية فإننا نواصل عمل انتقاد وكشف الأخطاء، وفي الوقت نفسه نبشر بضرورة نقل سلطة الدولة بأكملها إلى مجالس نواب العمال، حتى يتمكن الشعب من التغلب على أخطائه من خلال التجربة.[17]
كانت تصريحات لينين هذه في منظمة ساد فيها موقف مفاده ضرورة منح الحكومة المؤقتة دعماً قائم على النقد لأن الظروف لم تكن متوافرة بعد لإقامة 'ديكتاتورية لبروليتاريا والفلاحين الديمقراطية ، كما رأى البروفيسور ألكسندر رابينوفيتش ، 'تأثير متفجر'.
لم يكتف لينين بالترويج لفكرة أن السلطة يجب أن تنتقل إلى أيدي السوفييت، بل إلى إنه لا يمكن تطوير النضال من أجل السلطة السوفييتية إلا من قبل البلاشفة، ضد كل تيار سياسي آخر.
النقطة 5: السوفييت كشكل أعلى للدولة.
ولتوضيح أن لينين دعا إلى الإطاحة بالدولة الرأسمالية وإقامة شكل جديد أعلى من سلطة الدولة، هو دكتاتورية البروليتاريا، التي تقود القطاعات الأفقر من الفلاحين، أعلنت النقطة الخامسة من أطروحات إبريل:
ليست جمهورية برلمانية، فالعودة إلى جمهورية برلمانية من سوفييت نواب العمال ستكون خطوة إلى الوراء، بل جمهورية سوفييتات نواب العمال والعمال الزراعيين والفلاحين في جميع أنحاء البلاد، من أعلى إلى أسفل.
إلغاء الشرطة والجيش والبيروقراطية.
أن تكون رواتب جميع المسؤولين، وجميعهم منتخبون وقابلون للاستبدال في أي وقت، بما لا يتجاوز متوسط أجر العامل الماهر.[18]
وأعقب ذلك المزيد من النقاط التي حددت التنفيذ الأكثر جذرية للإصلاح الزراعي، على حساب كبار ملاك الأراضي، لكسب دعم الفلاحين، والسيطرة على التمويل والإنتاج والتوزيع من قبل الطبقة العاملة، من خلال السوفييتات، على حساب الطبقة الرأسمالية.
دعت النقطة 6 إلى تأميم الأراضي ومصادرة العقارات الكبيرة من أصحاب الأراضي، لتلبية تطلعات ومطالب الفلاحين.
دعت النقطة 7 إلى دمج البنوك في بنك وطني واحد، يسيطر عليه السوفييت.
دعت النقطة 8 إلى سيطرة العمال على الإنتاج والتوزيع.
دعت النقطة 9 إلى عقد مؤتمر للحزب، لجعل برنامجه يتماشى مع النضال من أجل السلطة السوفييتية، وتغيير اسم الحزب، من حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي، إلى الحزب الشيوعي.
النقطة 10: أممية جديدة.
لقد جاء ببساطة: 'يجب علينا أن نأخذ زمام المبادرة لخلق أممية ثورية، أممية ضد الاشتراكيين الشوفينيين وضد 'الوسط' '. [20]
عرّف لينين 'الوسط' بأنه 'الاتجاه' في الأممية الثانية 'الذي تأرجح بين الشوفينيين ('الدفاعيين') والأمميين'. وقد ذكر من بين ممثليه كاوتسكي وشركاه في ألمانيا، ولونغيه وشركاه في فرنسا، وتوراتي وشركاه في إيطاليا، وماكدونالد وشركاه في بريطانيا، والأكثر إثارة للانفجار، تشخيدزه وشركاه في روسيا، أي المناشفة مع الذين كانت اللجان البلشفية منخرطة بالفعل في محادثات، والذين دعا معهم ستالين، قبل أيام فقط، إلى إعادة تشكيل منظمة موحدة.[21]
كانت صدمة البلاشفة عند سماع أطروحات أبريل باهتة مقارنة برد فعل النواب السوفييت المناشفة الذين سمعوها. وكما أشار المنشفي سوخانوف في مذكراته، فقد وُصف تقرير لينين بأنه 'هذيان رجل مجنون' و'الفوضوية البدائية'. أعلن زعيم المناشفة سكوبيليف أن لينين كان 'شخصً نجم آفل وقف خارج صفوف الحركة'. [22]
لم يتلق لينين دعماً فورياً داخل قيادة الحزب البلشفي، لكنه بالتأكيد لم يكن 'شخص تجاوزه الزمان '. وكان لتدخله في الوضع السياسي تأثير حاسم.
في 6 أبريل، عارض كل من كامينيف وستالين لينين في اجتماع للجنة المركزية البلشفية.
و في 7 أبريل، نشرت صحيفة البرافدا هذه الأطروحات، مع إخلاء المسؤولية عن أنها مثلت آراء لينين فقط.
ومع ذلك، كانت المناقشات المحتدمة وعمليات إعادة الاصطفاف جارية بالفعل داخل الحزب.
في اليوم نفسه، 7 أبريل، في اللجنة التنفيذية السوفييتية، تحول 11 مندوباً بلشفياً وثلاثة آخرين من موقف 'الدعم الحاسم' للحكومة المؤقتة وصوتوا بـ 'لا' ضد قرار الأغلبية المناشفة/الاشتراكيين الثوريين الذي أعطى تأييد السوفييت إلى ما سُمي”قرض الحرية” لتمويل استمرار الحرب.
و في 8 أبريل، حاول كامينيف، نيابة عن محرري برافدا، تحدي أطروحات أبريل فكتب:
أما بالنسبة للخطة العامة للرفيق لينين، فهي تبدو لنا غير مقبولة لأنها تنطلق من افتراض أن الثورة الديمقراطية البرجوازية قد اكتملت، وبنت على التحول الفوري لهذه الثورة إلى ثورة اشتراكية. [23]
بين 8 و13 أبريل، كتب لينين 'رسائل حول التكتيكات'، أجابت على موقف كامينيف. تم تداولها في القيادة البلشفية في بتروغراد ونُشرت في كتيب قبل مؤتمر الحزب، من 24 أبريل إلى 29 أبريل.
في 'رسائل حول التكتيكات'، تناول لينين بشكل خاص التحول الذي مثلته أطروحات أبريل من المنظور البلشفي السابق لـ 'لديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية ' الذي دافع عنه كامينيف وآخرون في الحزب.
وأصر لينين على أن ثورة فبراير أدت إلى انتقال سلطة الدولة إلى البرجوازية، في شكل حكومة مؤقتة. وكتب معارضاً كامينيف: 'إلى هذا الحد، اكتملت الثورة الديمقراطية البرجوازية'.
وفي مواجهة الحجج المضادة الميكانيكية القائلة بأن الحزب البلشفي أصر دائماً على أن الثورة الديمقراطية البرجوازية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال 'الدكتاتورية الديمقراطية'، أجاب لينين:
جوابي هو: إن الشعارات والأفكار البلشفية بشكل عام قد أكدها التاريخ؛ لكن الأمور سارت على نحو ملموس بشكل مختلف؛ فهي أكثر إبداعاً، وأكثر غرابة، وأكثر تنوعاً مما توقعه أي شخص.
إن تجاهل هذه الحقيقة أو التغاضي عنها يعني ملاحقة هؤلاء 'البلاشفة القدامى' الذين لعبوا أكثر من مرة دورًا مؤسفاً في تاريخ حزبنا من خلال تكرار الصيغ التي تعلموها عن ظهر قلب بلا معنى بدلاً من دراسة السمات المحددة للحزب الجديد وللواقع المعيشي .
أصبحت 'ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية' حقيقة واقعة (بشكل معين وإلى حد ما) في الثورة الروسية، لأن هذه 'الصيغة' لا تتصور سوى العلاقة بين الطبقات، وليس علاقة ملموسة مع قيام مؤسسة سياسية تنفذ علاقة، التعاون. هي 'سوفييت نواب العمال والجنود'. ها قد أُ نجزت بالفعل 'ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية'.
هذه الصيغة قديمة بالفعل نقلتها الأحداث من عالم الصيغ إلى عالم الواقع، وكستها لحماً وعظماً، وجسّدتها، وبالتالي عدلتها. [24]
ودعماً لإصرار الأطروحات على أن المرحلة التالية من الثورة هي النضال من أجل 'وضع السلطة في أيدي البروليتاريا وأفقر قطاعات الفلاحين'، كتب لينين بصراحة:
إن الشخص الذي يتحدث الآن فقط عن 'ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية الثورية' هو متخلف عن العصر، وبالتالي، فقد انتقل في الواقع إلى البرجوازية الصغيرة ضد نضال البروليتاريا الطبقي؛ يجب أن يودع هذا الشخص في أرشيف آثار ما قبل الثورة 'البلشفية' (يمكن تسميته بأرشيف 'البلاشفة القدامى'.)[25]
أوضح لينين، في هذه الوثيقة وغيرها، بجلاء ما كان يعنيه بتحقق 'الدكتاتورية الديمقراطية' 'بشكل معين وإلى حد ما' في السوفييتات.
لم تلعب البرجوازية الليبرالية أي دور مهم في ثورة فبراير. لقد بدأتها وقادتها الطبقة العاملة. غير أن انتصارها اعتمد على كسب جماهير الفلاحين إلى جانبها، والتي تم التعبير عنها، ليس في شكل انتفاضة في الريف، ولكن في التمرد ضد الاستبداد القيصري من قبل مئات الآلاف من الجنود الذين تم تجنيدهم من صفوف الفلاحين ودثفعوا إلى الحرب الإمبريالية. لقد تطلعوا إلى السوفييت لتحقيق السلام.
رفضت قيادة السوفييت ممارسة السلطة التي وضعتها في أيديها الطبقة العاملة وجماهير الجنود الفلاحين. وبدلا من ذلك، كما كتب لينين، 'تنازلت طوعاً عن السلطة للبرجوازية، وجعلت من نفسها طوعاً ذيلاً للبرجوازية'، من خلال دعمها للحكومة المؤقتة.
كان على البلاشفة أن يشرحوا بصبر للطبقة العاملة أنه فقط من خلال نقل الثورة إلى 'مرحلتها الثانية' الضرورية، أي تولي السوفييتات سلطة الدولة الكاملة، يمكن تعزيز مصالحها الطبقية.
كتب لينين أن السوفييت 'سيقرر بشكل أكثر فعالية وعملية وأكثر صحة ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها نحو الاشتراكية وكيف ينبغي اتخاذ هذه الخطوات. إن السيطرة على بنك ما، ودمج جميع البنوك في بنك واحد، ليست اشتراكية بعد، ولكنها خطوة نحو الاشتراكية… ما الذي يفرض مثل هذه الخطوات؟ خطر المجاعة، عدم التنظيم الاقتصادي، انهيار وشيك، أهوال الحرب. أهوال الجروح التي أصابت البشرية بسبب الحرب'. [26]
في 10 أبريل، قدم لينين للنشر مسودة برنامجه للمؤتمر البلشفي، تحت عنوان مهمة البروليتاريا في ثورتنا. لم يتم نشره علناً حتى سبتمبر، ولكن، مثل رسائله، تم توزيعه في الحزب البلشفي، وكما لاحظ لينين لاحقاً، 'سوف يلاحظ القارئ اليقظ أن كتيبي غالباً ما كان بمنزلة المسودة الأصلية' لقرارات المؤتمر.
سجل المجلد 24 من أعمال لينين المجمعة أيضاً سلسلة المقالات والتعليقات التي كتبها قبل المؤتمر، و دافع فيها عن أطروحات أبريل.
أريد أن أقضي القسم الأخير من محاضرتي في القضيتين الأكثر أهمية في أطروحات أبريل، اللتين تناولهما لينين بالتفصيل في كل من 'رسائله حول التكتيكات' و'مهمة البروليتاريا في ثورتنا'.
وكانتا: أولا، أهمية السوفييتات، وثانياً، ضرورة إنشاء أممية ثالثة جديدة، لقيادة النضال سياسيا من أجل الثورة الاشتراكية العالمية.
السوفييت كشكل من أشكال دولة ل'دكتاتورية البروليتاريا'
قام لينين بتقييم السوفييت ضمن تراث كتابات كارل ماركس وفريدريك إنجلز حول الأهمية التاريخية العالمية لكومونة باريس، والتي من خلالها، وعلى مدى شهرين قصيرين في عام 1871، احتفظت جماهير الطبقة العاملة في المدينة بالسلطة السياسية ضد البورجوازية الفرنسية.
من خلال انتقاد إنجازاتها والدروس المستفادة من أخطائها، قام مؤسسو الاشتراكية العلمية بتقييم الكومونة باعتبارها المثال الأول لشكل الدولة الجديد الذي سيدافع عن حكم الطبقة العاملة ضد محاولات استعادة العلاقات البرجوازية. سوف يشرف شكل الكومونة على الانتقال إلى مجتمع لا طبقي لا تكون فيه الدولة مطلوبة، أي أنها مثلت أول 'ديكتاتورية بروليتاريا'.
أصر لينين في كتابه مهام البروليتاريا في ثورتنا على أن الماركسية 'تختلف عن الفوضوية في أنها تعترف بالحاجة إلى الدولة وإلى سلطة الدولة في فترة الثورة بشكل عام وفي فترة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية في شكل خاص.'[27]
وتابع أن الدولة من نوع 'الكومونة' هي 'نوع الدولة التي بدأت الثورة الروسية في إنشائها في عامي 1905 و1917'. [28]
كان السؤال الذي واجه الحزب البلشفي هو جعل الطبقة العاملة تدرك أن السوفييتات التي شكلتها تمثل شكل الدولة الجديد الأعلى الذي يتطلبه تحقيق الاشتراكية. السوفييت وحدها القادرة على ضمان تفكيك أو تحطيم بيروقراطية الدولة القديمة، ومنع إعادة تأسيس الشرطة، وإلغاء الجهاز العسكري وإعادة تنظيم الحياة الاقتصادية لصالح الأغلبية، من خلال تأسيس الملكية العامة لوسائل الإنتاج.
في كلمات سوف يتردد صداها لدى ملايين العمال حول العالم اليوم، الذين يواجهون الديمقراطيات البرلمانية التي تتلاعب بالتحول إلى أشكال الحكم العسكرية أو الفاشية، والتي تعمل على بناء أجهزتها العسكرية والبوليسية والاستخباراتية، كتب لينين:
من السهل جداً (كما يثبت التاريخ) العودة من الجمهورية البرلمانية البرجوازية إلى الملكية، لأن جميع آليات القمع، الجيش، والشرطة، والبيروقراطية، ظلت سليمة. قامت الكومونة والسوفييت بتحطيم تلك الآلة والتخلص منها.
إن الجمهورية البرجوازية البرلمانية تعرقل وتخنق الحياة السياسية المستقلة للجماهير، ومشاركتها المباشرة في التنظيم الديمقراطي لحياة الدولة، من القاعدة إلى القمة. والعكس هو الحال مع السوفييت. [29]
بعد ذلك، كرّس لينين قدراً كبيراً من وقته خلال الأشهر التالية لكتابة عمله الضخم 'الدولة والثورة'، حيث قام بمراجعة وتوضيح مسألة الدولة العمالية.
بعد أن نفذ المرحلة الأولى من الثورة وأنشأ السوفييتات، أصر لينين على أن الطبقة العاملة لا يمكنها السماح للبرجوازية بالاستيلاء على السلطة. وكان لا بد من مواصلة الثورة.
ولم تنشأ هذه الضرورة من الظروف الروسية فحسب، بل نشأت قبل كل شيء من الظروف العالمية.
وفي تلخيص موجز لاحتضان لينين للثورة الدائمة، أعلن مشروع برنامج الحزب البلشفي ما يلي:
إن الحرب هي نتاج نصف قرن من تطور الرأسمالية العالمية ومليارات الخيوط والارتباطات التي تربطها. من المستحيل الخروج من الحرب الإمبريالية وتحقيق سلام ديمقراطي غير قسري دون الإطاحة بسلطة رأس المال ونقل سلطة الدولة إلى طبقة أخرى، هي البروليتاريا.
كانت الثورة الروسية في الفترة من فبراير إلى مارس 1917 بمنزلة بداية تحول الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية. اتخذت هذه الثورة الخطوة الأولى نحو إنهاء الحرب. لكن الأمر يتطلب خطوة ثانية، وهي نقل سلطة الدولة إلى البروليتاريا، لجعل نهاية الحرب مؤكدة. ستكون هذه بداية 'اختراق' على المستوى العالمي، اختراق في جبهة المصالح الرأسمالية؛ وفقط من خلال اختراق هذه الجبهة تستطيع البروليتاريا إنقاذ البشرية من ويلات الحرب ومنحها بركات السلام.
إن الثورة الروسية قد جلبت البروليتاريا الروسية مباشرة إلى مثل هذا 'الاختراق' في جبهة الرأسمالية من خلال إنشاء مجالس نواب العمال. [30]
كان المحتوى الدولي للثورة الروسية، و'الالتزامات الدولية للطبقة العاملة في روسيا'، [31] كما قال لينين، في قلب إصراره على أن البلاشفة، الذين أعادوا تسمية أنفسهم بالحزب الشيوعي، يجب أن يؤسسوا على الفور أممية دولية ثالثة.
أدان لينين بشدة الاتجاه الوسطي على المستوى الدولي الذي ادعى معارضة خيانة الأممية الثانية، لكنه روج لمفهوم أن السلام يمكن تحقيقه عن طريق الضغط على البرجوازية الإمبريالية ورفض الانفصال علانية عن أولئك الذين دعموا طبقتهم الحاكمة في البلادخلال الحرب وهو الاتجاه الذي وصفه لينين بالشوفينيين الاشتراكيين.
وكتب في مسودة البرنامج أن المركز 'غير مقتنع بضرورة الثورة ضد حكومته؛ ولا يبشر بالثورة. ولا يقوم بنضال ثوري من كل القلب…' [32]
لقد كانوا 'ثوريين بالقول وإصلاحيين بالأفعال' و'أمميين بالقول ومتواطئين مع الاشتراكيين الشوفينيين بالأفعال'.[33]
وأعلن لينين أن الاتجاه الوحيد الذي يمثل الأممية والطبقة العاملة هو مع أولئك الذين التزموا بالمواقف التي طرحتها الأقلية اليسارية في مؤتمر تزيمرفالد المناهض للحرب عام 1915.
إن المناقشة التي تلت أطروحات أبريل هي دحض واضح للموقف المناهض للماركسية القائل بأن الديكتاتورية البيروقراطية للنظام الستاليني نشأت عضوياً من البلشفية. لم يتمكن لينين من إقناع الحزب البلشفي، ناهيك عن ملايين العمال، بالوسائل البيروقراطية. لم يكن لديه جهاز ولا وسيلة للترهيب. لقد أقنع الأغلبية من خلال أفكاره.
إن الهراء القائل بأن الحزب البلشفي كان آلة سياسية متجانسة وغير مفكرة هيمن عليها لينين، دُحض بشكل أكثر وضوحاً من خلال نتائج المؤتمر البلشفي الذي عُقد في الفترة من 24 إلى 29 أبريل. فقد تجمع حوالي 150 مندوباً من جميع أنحاء روسيا، ممثلين ومتحدثين باسمها، وفقاً لـ الأرقام التي ذكرها تروتسكي في 'تاريخ الثورة الروسية'، 79.000 عضو في الحزب من العمال والجنود والفلاحين، بالإضافة إلى المثقفين والمهنيين والفنانين. كان بعضهم ثوريين منذ فترة طويلة، ومعظمهم لم ينضموا إلى الحزب إلا في السنوات أو حتى الأشهر السابقة.
مثل عشرات الآلاف من الأعضاء البلاشفة بشكل جماعي طليعة الطبقة العاملة، وهي طبقة متقدمة كانت مشبعة بالوعي الاشتراكي.
حظي الموقف الذي قُدم في أطروحات أبريل حول الحكومة المؤقتة، والموقف من الحرب، ومنظور استيلاء السوفييت على السلطة، بدعم واضح من الأغلبية في المؤتمر البلشفي في أبريل. لكن القرار الذي تضمن دعوة لينين للتأسيس الفوري للأممية الثالثة هُزم. وسوف يتطلب الأمر أشهراً من المزيد من المناقشات قبل أن يتم الاتفاق بشكل كامل على ضرورة القطيعة، ليس فقط مع المناشفة في روسيا، بل وأيضاً مع نظرائهم الوسطيين على المستوى الدولي.
وبعد المؤتمر، عاد المندوبون إلى مناطق حزبهم وقاتلوا من أجل خط 'كل السلطة للسوفييتات'.
في عام 1940، كتب تروتسكي، وهو يفكر في العلاقة المعقدة بين الطبقة العاملة والحزب الثوري وقيادة الحركة الثورية، ما يلي:
كان لينين العامل الهائل في نضج البروليتاريا الروسية في فبراير أو مارس 1917. لكنه لم يسقط من السماء. لقد جسد التقليد الثوري للطبقة العاملة. لكي تجد شعارات لينين طريقها إلى الجماهير، كان لا بد من وجود كوادر، حتى لو كانت صغيرة عددياً في البداية؛ كان لا بد من توفر ثقة الكوادر في القيادة، ثقة مبنية على تجربة الماضي برمتها. إن إلغاء هذه العناصر من حسابات المرء يعني ببساطة تجاهل الثورة الحية، واستبدالها بتجريد، 'علاقة القوى'، لأن تطور الثورة يتكون على وجه التحديد من أن علاقة القوى تتغير باستمرار وبسرعة، تحت تأثير التغيرات في وعي البروليتاريا، وانجذاب الطبقات المتخلفة إلى المتقدمة، والثقة المتزايدة للطبقة في قوتها الخاصة. فالمحرك الحيوي في هذه العملية هو الحزب، كما أن المحرك الحيوي في آلية الحزب هو قيادته. إن دور ومسؤولية القيادة في العصر الثوري هائل. [35]
وفي نفس الوثيقة، كتب تروتسكي أيضاً:
أدى وصول لينين إلى بتروغراد في 3 أبريل 1917 إلى قلب الحزب البلشفي في الوقت المناسب ومكن الحزب من قيادة الثورة إلى النصر. قد يقول حكماؤنا إنه لو مات لينين في الخارج في بداية عام 1917، لكانت ثورة أكتوبر قد حدثت 'بنفس الطريقة'، ولكن الأمر ليس كذلك إذ مثل لينين أحد العناصر الحية للعملية التاريخية. لقد جسد تجربة وبصيرة القسم الأكثر نشاطاً من البروليتاريا. لقد كان ظهوره في الوقت المناسب على ساحة الثورة ضروريا من أجل تعبئة الطليعة ومنحها الفرصة لحشد الطبقة العاملة وجماهير الفلاحين. يمكن للقيادة السياسية في اللحظات الحاسمة من المنعطفات التاريخية أن تصبح عاملاً حاسماً مثل دور القيادة العليا خلال اللحظات الحرجة من الحرب. التاريخ ليس عملية تلقائية. وإلا فلماذا الحاجة إلى القادة؟ ما هو دور البرامج؟ وما ضرورة الصراعات النظرية؟ [36]
التقارب بين لينين وتروتسكي
أسئلة تروتسكي: لماذا القادة؟، لماذا الأحزاب؟، لماذا البرامج؟، لماذا النضالات النظرية؟، تم التأكيد عليها من خلال النتيجة الأكثر أهمية لأطروحات أبريل. لقد كانت الوثيقة التي جمعت بين فلاديمير لينين وليون تروتسكي، بعد 14 عاما من الخلافات السياسية.
كان تروتسكي، في أبريل 1917، محتجزاً من قبل الإمبريالية البريطانية في كندا لمنع عودته من المنفى القسري في نيويورك إلى روسيا. وإلى حد كبير بسبب المطالب المتواصلة للطبقة العاملة في بتروغراد والبلاشفة، قدم وزير خارجية الحكومة المؤقتة ميليوكوف على مضض طلباً إلى بريطانيا لإطلاق سراح تروتسكي.
أُطلق سراح تروتسكي من الاعتقال البريطاني واستقل سفينة متجهة إلى أوروبا في 16 أبريل 1917.
طوال أحداث أبريل التي استعرضتها، كان تروتسكي إما في معسكر اعتقال أو في البحر وافتقر إلى أي اتصال. وصل أخيرا إلى روسيا في 4 مايو، من التقويم اليولياني. ولم يقرأ أطروحات أبريل أو أي من الوثائق اللاحقة.
لاحقاً، كتب تروتسكي في سيرته الذاتية عن لينين:
في اليوم الثاني أو الثالث بعد وصولي إلى بطرسبورغ (بتروغراد) تعرفت على أطروحات لينين في أبريل. وهذا ما احتاجته الثورة....
لا بد أن اللقاء الأول (بين لينين وتروتسكي) قد تم في الخامس أو السادس من مايو. قلت للينين إن لا شيء يفصلني عن أطروحات إبريل وعن كامل المسار الذي سلكه الحزب منذ وصوله...'[37]
من رواية تروتسكي، تركزت المناقشة التي تلت ذلك فقط على القضية التكتيكية المتمثلة في متى سينضم علناً إلى البلاشفة. وكان عدد كبير من الثوار ونحو 3000 عامل ينتمون إلى اللجان المشتركة بين المقاطعات. كانت هذه عناصر عارضت الأغلبية المناشفة، لكنها لم تدعم البلاشفة، وهو ما كان إلى حد كبير متفق مع نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة وانتقاده الطويل الأمد للمنظور البلشفي المتمثل في 'ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين الديمقراطية'.
اعتقد تروتسكي أنه في وضع أفضل لإقناع غالبية اللجان المشتركة بين المقاطعات بالانضمام أيضاً إلى الحزب البلشفي. وهذا ما حدث. اندمجت اللجان المشتركة بين المناطق رسمياً مع البلاشفة في أغسطس 1917.
حصل الحزب البلشفي المعزز سياسياً، بقيادة لينين وتروتسكي في المقام الأول، على ولاء الأغلبية الساحقة من الطبقة العاملة الروسية، التي أسست، بدعم من جماهير واسعة من الجنود والفلاحين الريفيين، أول دولة عمالية على أساس واضح وهي وجهة نظر مفادها أن الثورة الروسية كانت الطلقة الأولى في الثورة الاشتراكية العالمية.
يجب أن يكون التقارب بين لينين وتروتسكي من بين أهم الأحداث في التاريخ الحديث. لقد احتوى على عنصرين حاسمين يجب أن يفهمهما جميع الثوريين اليوم.
لقد تطلب الأمر من لينين إعادة تسليح حزبه حول منظور الثورة الاشتراكية العالمية. لو رفض البلاشفة أطروحات لينين في أبريل، واستمروا في خط كامينيف-ستالين المتمثل في 'الدعم النقدي' للحكومة المؤقتة وللحرب، لما انضم تروتسكي إليهم.
لكن هذا اللقاء لم يكن أقل اعتماداً على اعتراف تروتسكي بالطابع بعيد النظر لإصرار لينين على أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية مع الانتهازية. وهذا ما يجب على جيل الثوريين اليوم أن يستوعبه، قبل كل شيء.
منذ مؤتمر تزيمرفالد عام 1915، خص لينين تروتسكي كواحد من هؤلاء 'الوسطيين' الذين، رغم معارضتهم العميقة لخيانة الأممية الثانية ونضالهم من أجل برنامج ثوري ضد الحرب، لم يدع صراحة إلى القطيعة من الأممية الثانية وإنشاء أممية ثالثة جديدة. صرح لينين بعد بضعة أشهر أنه بعد أن رفض تروتسكي أي إمكانية للاندماج مع المناشفة عند عودته إلى روسيا، و أيدالحاجة إلى الأممية الثالثة، 'لم يكن هناك بلشفي أفضل منه '. [38]
قد خاض لينين وتروتسكي معركة نظرية لمدة 14 عاماً. و توصلا في عام 1917، إلى فهم مشترك للمنظور السياسي وطبيعة الحزب الذي كان ضرورياً لقيادة الطبقة العاملة الروسية في الاستيلاء على السلطة السياسية بأيديها، ولتوفير الطريق للمضي قدماً للطبقة العاملة في العالم.
وهذا هو السبب الذي جعل الثورة الروسية عام 1917 تظل الثورة الاشتراكية الأولى والوحيدة الناجحة.
ولم يتم إعداد أو تطوير أي محاولة أخرى من جانب الطبقة العاملة للاستيلاء على السلطة بطريقة مماثلة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الدور الإجرامي السياسي للجهاز الستاليني الذي اغتصب السلطة من الطبقة العاملة خلال العقد الثالث من القرن الماضي ثم أباد في العقد الرابع أعداداً كبيرة من العمال ومن المثقفين والعمال البلاشفة المتعلمين سياسياً في ثلاثينيات القرن العشرين.
الدرس المستفاد من الثورة الروسية هو: في كل بلد، تحتاج الطبقة العاملة إلى قسم من حزب عالمي، يرتكز على نظرية الثورة الدائمة ومنظور الثورة الاشتراكية العالمية، ويخوض نضالاً لا هوادة فيه فيه لترسيم وتمييز نفسها عن جميع الاتجاهات البرجوازية والمعادية للماركسية.
إن اللجنة الدولية للأممية الرابعة هي ذلك الحزب العالمي، وهي وحدها التي تقوم بإعداد الطبقة العاملة لثورات القرن الحادي والعشرين.
Notes:
[1] N. Krupskaya, Reminiscences of Lenin, 1933, in the chapter “Last Months in Emigration” (New York: International Publishers, 1975), p.336.
[2] Ibid., p318.
[3] V.I. Lenin, The Draft Resolution of the Left Wing at Zimmerwald, in Collected Works, Vol. 21 (Moscow Publishers, 1964), p. 345.
[4] Ibid., pp. 347-348.
[5] V.I. Lenin, Lecture on the 1905 Revolution, in Collected Works, Vol. 23, (Moscow Publishers, 1964), p. 253.
[6] Leon Trotsky, The History of the Russian Revolution, in the chapter “The Bolsheviks and Lenin” (London, Pluto Press, 1977), p. 284.
[7] Ibid., p. 294.
[8] Leon Trotsky, Lessons of October, (London, New Park Publications, 1973), p. 16.
[9] Ibid., p. 17.
[10] V.I. Lenin, The First Stage of the First Revolution, Collected Works, Vol. 23, p. 305.
[11] Leon Trotsky, The History of the Russian Revolution, in the chapter “The Bolsheviks and Lenin,” pp. 306-307.
[12] N. Krupskaya, Reminiscences of Lenin, 1933, in the chapter “Last Months in Emigration,” pp. 340-341.
[13] Ibid., p. 346.
[14] All quotes taken from V.I. Lenin, The Tasks of the Proletariat in the Present Revolution—The April Theses, in Collected Works, Vol. 24, (Moscow Publishers, 1964), pp. 21-22.
[15] Ibid., p. 22.
[16] Ibid.
[17] Ibid., pp22-23.
[18] Ibid., p. 23.
[19] Ibid., pp. 23-24.
[20] Ibid., p. 24.
[21] Ibid., footnote ***.
[22] Cited in Alexander Rabinowitch, Prelude to Revolution, (Bloomington: Indiana University Press, 1991), p. 40.
[23] V.I. Lenin, Letters on Tactics, Collected Works, vol. 24, p. 50.
[24] Ibid., p. 44-45.
[25] Ibid., p. 45.
[26] Ibid., pp. 53-54.
[27] V.I. Lenin, The Task of the Proletariat in Our Revolution, Vol. 24, p. 68.
[28] Ibid., p. 68.
[29] Ibid., p. 69.
[30] Ibid., p. 67.
[31] Ibid., p. 74.
[32] Ibid., p. 76.
[33] Ibid., p. 80.
[34] History of the Russian Revolution, p. 340.
[35] Leon Trotsky, The Class, the Party and the Leadership, in The Spanish Revolution (1931-39), (New York: Pathfinder Press, 1973), pp. 359-60.
[36] Ibid., p. 10.
[37] Leon Trotsky, “Before the October Revolution,” Lenin (New York: Capricorn Books, 1962), pp. 67-68.
[38] From the minutes of the “Session of the Petersburg Committee of SDLPR (Bolshevik), November 1, 1917,” published in Leon Trotsky, Stalin’s School of Falsification, (London: New Park Publications, 1974), p. 82.