العربية

الشرق الأوسط ساحة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين

26 أغسطس 2024

مثل أي جزء آخر من العالم، وقع الشرق الأوسط في خضم المواجهة الأمريكية المكثفة مع الصين. وبعد أن كانت مجرد شخصية هامشية في المنطقة، أصبحت بكين أهم شريك تجاري واستثماري لها في سعيها إلى توسيع شبكات إنتاجها العالمية.

ليس لدى واشنطن أي نية للسماح لبكين بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر في العالم، ولن تتردد في استخدام كل الوسائل المتاحة لها لمنع ذلك، باستخدام الدعم لإبادة إسرائيل للفلسطينيين في غزة قاعدة لشن حرب موسعة للسيطرة على المنطقة تستهدف إيران في البداية.

اعتماد الصين المتزايد على الطاقة من الشرق الأوسط

في السنوات الثلاثين الماضية، ومع توسع اقتصادها ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، زاد حضور الصين الاقتصادي في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ. وفي عام 1993، أصبحت مستورداً صافياً للنفط لأول مرة، وتوجهت إلى الشرق الأوسط لتلبية احتياجاتها. وفي حين خفضت الولايات المتحدة وارداتها من الطاقة من المنطقة مع ارتفاع إنتاج الغاز الصخري المحلي، تحركت بكين لسد الفجوة، لتصبح إلى حد بعيد أكبر مشتر للنفط السعودي، وثاني أكبر منتج في العالم بعد الولايات المتحدة. وفي غضون عشرين عام، زادت واردات الصين من الطاقة خمسة عشر ضعفاً، مما جعلها أكبر مستورد للنفط في العالم في عام 2016.

وفي العام الماضي، حصلت الصين على حوالي نصف وارداتها من النفط الخام من خمس دول في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية (16 في المئة)، العراق (11 في المئة)، عمان (7.3 في المئة)، الإمارات العربية المتحدة (5.5 في المئة). والكويت (5.1%). كما بدأت في شراء المزيد من النفط من إيران، أي أكثر من ثلاثة أضعاف وارداتها من النفط الإيراني في السنوات الثلاث الماضية.

وشكلت الهيدروكربونات 73 في المئة من واردات الصين من المنطقة، وهو رقم يرتفع إلى 92 في المئة عندما يتم توسيعه ليشمل البتروكيماويات المصنوعة من النفط والغاز الطبيعي، في حين مثلت صادرات المنطقة من الهيدروكربونات إلى الصين ما يقرب من ربع إجمالي صادراتها من الهيدروكربونات.

ووقعت بكين اتفاقيات توريد طويلة الأجل مع المملكة العربية السعودية وإيران وقطر واستثمرت في مشاريع الطاقة عبر مؤسسات الدولة الصينية، مثل شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) وسينوبك (في العراق والإمارات العربية المتحدة). وبحلول عام 2022، بلغت تجارتها مع دول مجلس التعاون الخليجي الست أكثر من 230 مليار دولار. وشملت هذه المشاريع المشتركة استكشاف واستغلال حقول النفط والاستثمارات في التخزين والمصافي والصناعات البتروكيماوية.

وفي عام 2021، قال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية المملوكة للدولة أرامكو، إن الشركة وضعت الصين على رأس أولوياتها على مدى الخمسين عاماً القادمة. وبعد ذلك بوقت قصير، وقعت أرامكو مذكرة تفاهم مع شركة سينوبك المملوكة للدولة في الصين للتعاون في مجالات تشمل 'احتجاز الكربون وعمليات الهيدروجين'.

في حين أن تجارة الطاقة تقع في قلب العلاقة الاقتصادية بين الصين والخليج، فإن العلاقات التجارية تتجاوز صناعة الطاقة، حيث أصبحت الصين الآن أكبر شريك للمملكة العربية السعودية وأكبر شريك تجاري غير نفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة، متجاوزة الاتحاد الأوروبي لتصبح أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020.

استثمارات الصين في شبكات الإنتاج والبنية التحتية في الشرق الأوسط

أجراس الإنذار في واشنطن في عام 2015، عندما أعلنت بكين عن استراتيجيتها الصناعية 'صنع في الصين 2025' التي تسعى إلى تحويل قدراتها التصنيعية من ورش عمل كثيفة العمالة إلى قوة تعتمد على التكنولوجيا بكثافة.

وحددت ورقة السياسة الصينية في المنطقةالعربية لعام 2016 عدة مجالات رئيسية لتجارتها واستثمارها في الشرق الأوسط: الطاقة النووية، وتكنولوجيا الفضاء، والطاقة المتجددة، والتقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي، والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد، والمعادن الحيوية. ودخلت الشركات الصينية في شراكة مع دول الخليج في بعض أكبر مشاريعها للطاقة المتجددة في إطار سعيها إلى التنويع بعيداً عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. وهي تشارك في بناء اثنين من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم في دولة الإمارات العربية المتحدة، هما مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية ومحطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية، في حين يمتلك صندوق طريق الحرير الصيني حصة تبلغ 49 في المئة في الطاقة المتجددة السعوديةعبر شركة الطاقة أكوا باور، الأداة الاستثمارية الرئيسية في الرياض لمشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.

وفي يونيو/حزيران 2023، وقعت شركة هيومن هورايزونز الصينية لصناعة السيارات الكهربائية صفقة بقيمة 5.6 مليار دولار مع الرياض لإنشاء مشروع مشترك لإجراء البحث والتطوير والتصنيع في المملكة العربية السعودية. وفي عام 2022، أقامت شركة إينوفيت الناشئة للسيارات الكهربائية مشروعاً مشتركاً مع شركة سمو القابضة السعودية لإنشاء مصنع تصنيع بقيمة 500 مليون دولار في المملكة.

تستثمر بكين أيضاً في مشاريع البنية التحتية لتسهيل نقل الطاقة إلى الصين كجزء من مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي تم إطلاقها في عام 2013 كأحد مكونات استراتيجيتها لمواجهة الجهود الأمريكية العدوانية لتقويض دورها على كل الجبهات، دبلوماسياً واقتصادياً واستراتيجياً. تعد مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى وضع الصين في مركز التجارة العالمية، أساس الاتفاقيات مع 21 دولة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث تلقى الشرق الأوسط حوالي ربع استثماراته في مبادرة الحزام والطريق في عام 2022، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

وعملت الشركات الصينية مع مصر وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مشاريع الموانئ والمناطق الصناعية الرئيسية، بما في ذلك محطة في ميناء خليفة في الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى موانئ ينبع وجيزان وجدة على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية والتي تقع على البحر الأحمر، طريق الصين البحري إلى أوروبا وخارجها. وفي حين كان الخليج هو محور التركيز بشكل عام، فإن بكين نظرت إلى مصر باعتبارها 'شريكاً استراتيجياً شاملاً'، نظراً لأهمية قناة السويس ليس فقط باعتبارها بوابتها إلى أوروبا، بل أيضاً لتصنيع وتوزيع منتجاتها في إفريقيا. واستثمرت حوالي 20 مليار دولار في البلاد بين عامي 2016 و2019 مع التركيز على منطقة التنمية الاقتصادية بهيئة قناة السويس. وتقوم الصين أيضاً بتشغيل محطة ميناء جديدة في خليج حيفا الإسرائيلي على البحر الأبيض المتوسط، مما عزز مكانتها على طرق التجارة العالمية.

وبينما تجد الصين نفسها محرومة بشكل متزايد من الوصول إلى الأسواق في البلدان المتقدمة، فإنها تسعى إلى إنشاء مرافق إنتاج في أماكن أخرى في محاولة للتهرب من الرسوم الجمركية العقابية. وفي العام الماضي، كانت المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب من بين الوجهات الخمس الأولى للصين للاستثمار في مرافق إنتاج الحقول الجديدة في الخارج، وهو ما مثل حوالي 37 مليار دولار.

وفي عام 2021، تلقى العراق حوالي 10.5 مليار دولار من تمويل مبادرة الحزام والطريق للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، مع سعي الصين لاستثمار 10 مليارات دولار أخرى في مشاريع البنية التحتية في حكومة إقليم كردستان في شمال العراق.

وأثارت علاقات الصين المتنامية مع إيران غضب واشنطن إذ بلغت قيمة اتفاقية 'الشراكة الاستراتيجية الشاملة' بين الصين وطهران، التي تم التوقيع عليها في عام 2020، 400 مليار دولار على مدى 25 عام، وهو مبلغ يعادل 10% من إجمالي ميزانية مبادرة الحزام والطريق في الصين. وهذا شريان حياة حاسم لطهران، التي عانت لسنوات من العقوبات الساحقة التي قادتها الولايات المتحدة و استهدفت صادرات النفط الإيرانية، و دمرت اقتصادها بحجة منعها من بناء أسلحة نووية. وشمل التطوير المشترك لميناء تشابهار ومحطة نفطية جديدة بالقرب من ميناء جاسك جنوب مضيق هرمز، التي كانت في السابق بموجب عقد طويل الأجل مع الهند. وفي ظل العقوبات، تظل الصين أكبر مشتر للنفط الإيراني وأكبر شريك تجاري لها.

لكن التدفقات الاستثمارية تتجه في الاتجاهين، لدرجة أن استثمارات الدول العربية في الصين أصبحت الآن على قدم المساواة مع استثمارات الصين في الشرق الأوسط في ظل سعيها إلى فطم نفسها عن الاعتماد على النفط، وتنويع استثماراتها وإيجاد أسواق جديدة. أعلن صندوقا الثروة السيادية الأكثر أهمية في المنطقة، صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة مبادلة الإماراتية، عن عزمهما فتح مكاتب جديدة في الصين أثناء بحثهما عن فرص استثمارية هناك، لا سيما في السيارات الكهربائية، والطاقة الجديدة، والإنترنت. وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الذكية والأدوية وتصنيع المعدات المتطورة.

على الرغم من أن بكين أصبحت أكبر مستثمر إقليمي وشريك تجاري منفرد لـ 11 دولة في الشرق الأوسط ونمو استثمارات الصين والدول العربية في اقتصادات بعضها البعض، إلا أن أوروبا وأمريكا الشمالية تظلان إلى حد بعيد المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط والوجهات الرئيسية للاستثمارات الخليجية في الخارج، حيث بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لأوروبا في المملكة العربية السعودية عشرة أضعاف نظيره في الصين.

الشبكات الرقمية الصينية في الشرق الأوسط

هذا هو المجال الذي أثار القلق الأكبر من جانب الإمبريالية الأمريكية أي الشبكات الرقمية الآخذة في التوسع في بكين. وبحلول عام 2010، لم تهيمن شركات التكنولوجيا العملاقة في الصين، لينوفو، وزد تي إي، وبايدو، وتينسنت، وعلي بابا، وهواوي، وجيه دي، على الاقتصاد الرقمي المحلي فحسب، مما أدى إلى إقصاء المنافسة الأميركية إلى حد كبير، بل أسست عمليات عالمية. ومن شأن طريق الحرير الرقمي، الذي تم الإعلان عنه في عام 2015، أن يدعم توسعها في الخارج ويهدد تفوق الولايات المتحدة الرقمي.

و شمل ذلك زيادة التعاون بين شركات التكنولوجيا الصينية ومعاهد البحوث والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في رقمنة اقتصاداتهما، حيث تعمل الرياض وأبو ظبي الآن مع هواوي وعلي بابا لتطوير بعض بنيتهما التحتية التقنية، بما في ذلك شبكات الجيل الخامس والشبكات الذكية،و تطبيقات المدن ومراكز البيانات الكبيرة. وفي سبتمبر 2023، أطلقت هواوي 'منطقة سحابية' جديدة في الرياض لدعم الخدمات الحكومية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

إن رؤساء بعض أفضل المؤسسات والشركات البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بما في ذلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في جدة وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZAI) في أبو ظبي، هم من كبار الصينيين أو هم أكاديميون صينيون أمريكيون، في حين يعمل عدد كبير من الأكاديميين الصينيين في هذه المؤسسات، بما في ذلك ما يصل إلى 40 بالمئة في MBZAI. تعاونت شركة G42، الشركة الإماراتية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تعمل في بعض أهم مشاريع التكنولوجيا الفائقة في الدولة، مع شركات صينية في العديد من المشاريع الرئيسية، بما في ذلك تطوير لقاح لكوفيد-19 وإطلاق علم الجينوم التابع لوزارة الصحة الإماراتية. برنامج.

وبينما يعمل كلا البلدين مع الشركات الصينية في قطاع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة، فإن شركائهما الرئيسيين هم الشركتان الأمريكيتان الكبيرتان مايكروسوفت وأوبن إيه آي، اللتان يعتبرانهما أكثر تقدماً، وإن كانتا أكثر تكلفة بكثير. ومع ذلك، تخشى الولايات المتحدة أن يمنح هذا التعاون، الذي يأتي بشروط أقل تقييدا ​​فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، ونقل المعرفة وخصوصية البيانات، وما إلى ذلك، منافسيها الصينيين القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات الأمريكية الحساسة. على سبيل المثال، اشترت معاهد الأبحاث السعودية والإماراتية المشاركة في أبحاث الذكاء الاصطناعي رقائق إنفيديا المنتجة في الولايات المتحدة والتي لا تتمتع الصين بإمكانية الوصول إليها إلا بشكل محدود للغاية.

وتخشى الأجهزة الأمنية في واشنطن أيضاً من أن الصين قد تستخدم معداتها في البنى التحتية الرقمية في الخليج لجمع المعلومات الاستخبارية. في عام 2021، فرضت إدارة بايدن، التي خشيت أن تقوم شبكة الهاتف المحمول Huawei 5G التي كانت الصين تقوم بتركيبها في الإمارات العربية المتحدة، بجمع معلومات استخباراتية بطريقة أو بأخرى عن الطائرة الشبح دون علم أبو ظبي، مثل هذه الشروط الشاقة على بيع مقاتلة F-35 بقيمة 23 مليار دولار وبيع طائرات وطائرات بدون طيار من طراز ريبر إلى الإمارات في أعقاب اتفاقات إبراهيم، اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، الذي أوقفت أبوظبي المفاوضات بشأنه.

وكان رد الولايات المتحدة هو التركيز على الحد من الوصول العالمي لعمالقة التكنولوجيا الفائقة في الصين من خلال مبادرة الشبكة النظيفة، التي أُطلقت في عام 2020، وسعت إلى منع دخول البيانات إلى شبكات الجيل الخامس الأمريكية إذا مرت عبر الشبكات المصنعة في الصين. كما مارست واشنطن ضغوطاً على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لسحب استثماراتهما من الصين في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، وتقييد بيع أشباه الموصلات من شركة Nvidia إلى دول الخليج خوفاً من أن ينتهي بها الأمر في الصين وإجبار Prosperity7، وهو صندوق سعودي لرأس المال الاستثماري. على بيع حصته في شركة Rain AI الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي ومقرها الولايات المتحدة، وشركة G42 الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة، لقطع علاقاتها مع الصين واستثماراتها فيها.

صفقات الصين الدفاعية والأمنية في الشرق الأوسط

وزادت الصين مبيعاتها من الأسلحة إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك صواريخ دونغفنغ الباليستية، وطائرات Wing Loong Bomber بدون طيار، ومعدات مكافحة الإرهاب، على الرغم من أن هذه الأسلحة ضئيلة مقارنة بالمشتريات من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا. لكن الأهم من ذلك، أنه ابتداء من عام 2017، تعاونت أبوظبي والرياض مع الشركات الصينية لتطوير وتصنيع طائرات عسكرية بدون طيار وصواريخ باليستية في الخليج في محاولة لإنشاء صناعات أسلحة وطنية الخاصة بهما.

وبعد أن تعرضت في كثير من الأحيان لحظر الأسلحة أو لعقوبات من جانب واشنطن، حرصت الأنظمة العربية على إيجاد موردين بديلين، في حين استخدمت مشترياتها الدفاعية من الصين كورقة كسب لضمان التزام الولايات المتحدة بدعم 'أمنها' في حالة حدوث حرب جديدة أو حراك مثل 'الربيع العربي' أو الحركة الجماهيرية للإطاحة بهم، وفي حالة المملكة العربية السعودية، تطوير برنامجهم النووي.

وفترت العلاقات بعد تحول الرئيس باراك أوباما نحو آسيا الذي أشار إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط. وقد أكد رفضه دعم الرئيس المصري حسني مبارك خلال الاحتجاجات الحاشدة التي أسقطت حكومته في عام 2011 وهدد عملاء السعودية في البحرين واليمن وجهة نظرهم بأن الولايات المتحدة أصبحت حليفاً غير جدير بالثقة. أصبحت العلاقات أكثر توتراً بعد توقيع واشنطن على الاتفاقيات النووية لعام 2015 مع إيران، التي اتهمتها الرياض وأبو ظبي بدعم المتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة العميلة للرياض في اليمن في عام 2015. وزاد غضب الرياض من قيام الولايات المتحدة بالقليل لمواجهة الهجمات الصاروخية التي شنها المتمردون الحوثيون في اليمن، وإنهاء الدعم العسكري لحربهم في اليمن، والحد من مبيعات الأسلحة وعدم الاستجابة للنداءات السعودية للمساعدة في بدء برنامج نووي مدني.

وقد عزز الانسحاب الكارثي للقوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021 وجهة نظرهم بأن الولايات المتحدة غير الموثوقة صارت في مرحلة تراجع. وردوا برفض زيادة إنتاج النفط والمساعدة في خفض أسعار الوقود في أعقاب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا.

وتدرك الصين تمام الإدراك كيف أدت الحرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011 إلى خسارة استثماراتها البالغة 18 مليار دولار في البلاد وإجلاء أكثر من 35 ألف من مواطنيها الذين عملوا في مشاريع البناء هناك. وبدأت تعزيز حضورها السياسي والدبلوماسي في المنطقة، بافتتاح تسع قنصليات في المملكة العربية السعودية ومصر. وفي عام 2022، عُقدت أول قمة بين الصين والدول العربية، عندما قال الرئيس شي جين بينغ إنه يريد تعزيز التعاون بين ووزارات الدفاع الصينية والعربية، بما في ذلك إجراء تدريبات عسكرية مشتركة والتعاون في مكافحة الإرهاب وحتى تدريب الأفراد العسكريين العرب. ويأتي ذلك بعد افتتاح أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج في عام 2017، في جيبوتي، ميناء البحر الأحمر بين خليج عدن وقناة السويس. ومنذ ذلك الحين، زادت قواتها البحرية زياراتها إلى الموانئ ومناوراتها البحرية في المنطقة، وأجرت مناورات مشتركة مع المملكة العربية السعودية وإيران وروسيا.

وفي عام 2021، وافقت على انضمام مصر وقطر والمملكة العربية السعودية إلى 'شركاء الحوار'، ثم في عام 2022، انضمت البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة في منظمة شنغهاي للتعاون، التي أنشأتها الصين وروسيا في عام 2001 كثقل موازن للولايات المتحدة في أوراسيا. وانضمت إيران كعضو كامل العضوية في عام 2023.

وفي مارس/آذار 2023، توسطت بكين في اتفاق مصالحة بين السعودية وإيران، مما يشير إلى نفوذها الاقتصادي المتزايد على كلا البلدين. وكانت القوتان المتنافستان قد انخرطتا في منافسة شرسة على النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما أدى إلى تأجيج الصراعات في المنطقة وتفاقم عدم الاستقرار حيث دعم البلدان كتل التحالف المتنافسة في لبنان والأطراف المتعارضة في الحربين في اليمن وسوريا.

وفي قمة البريكس التي انعقدت في جنوب أفريقيا في أغسطس 2023 و ضمت البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، دفعت الصين بتوسيع المجموعة لتشمل الأرجنتين ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على أن تضاف دول أخرى في وقت لاحق.

جهود الصين لبناء الشبكات المالية

ومن السمات المهمة لجميع هذه الاجتماعات النقاش حول استخدام اليوان والعملات المحلية في التجارة، بما في ذلك تسعير بعض مبيعات النفط للصين باليوان. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تقوض دور الدولار في سوق النفط العالمية. وبموجب اتفاقية عام 1974 بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تتم جميع مبيعات النفط في أي مكان في العالم بالدولار، ويعاد تدويره مرة أخرى إلى الولايات المتحدة وإلى حد أقل بريطانيا كاحتياطيات سيادية مقابل الدعم العسكري والأمن في إطار ما يعرف بنظام البترو دولار.

عمل نظام البترو دولار على دعم النظام المالي الأميركي، الأمر الذي سمح له بتمويل ديونه المرتفعة، فالولايات المتحدة هي أكبر دولة مدينة في العالم، ووضع الدولار بوصفه العملة الاحتياطية في العالم. وفي حين تمثل الولايات المتحدة نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن ما يقرب من 90% من المعاملات بالعملة الدولية و60% من احتياطيات النقد الأجنبي تتم بالدولار.

لكن الاستثمار الأجنبي لم يعد يمول ديون الولايات المتحدة بنفس القدر الذي كان يفعله ذات يوم. فمنذ الأزمة المالية في عام 2008، ومؤخراً أزمة الجائحة، سعى بنك التحوط الفيدرالي إلى حماية الأسواق المالية من خلال التيسير الكمي واشترى ديون الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، انخفضت حيازات البنوك المركزية الأجنبية والمستثمرين الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية إلى 14% فقط من إجمالي الدين العام الأمريكي، بعد أن كانت 25% قبل الجائحة و بعد نسبة قياسية بلغت 40% في عام 2008.

ولا يزال استخدام اليوان في تجارة الغاز والنفط ضئيلا حتى الآن. لكن المخاوف بشأن العقوبات الغربية المحتملة، وخاصة التجميد الذي تقوده الولايات المتحدة لأصول البنك المركزي الروسي البالغة قيمتها 300 مليار دولار، المحتفظ بها إلى حد كبير في النظام المصرفي الأوروبي، إلى جانب العقوبات المالية الأخرى، تعمل على تأجيج الجهود الرامية إلى تقييد القدرة المالية الأمريكيةعلى الهيمنة، بما في ذلك معاملات اليوان الرقمية.

إن احتمال تحول الرياض و/أو أبو ظبي إلى اليوان أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة لواشنطن. ومن شأنه أن يقوض بشكل كبير النظام القائم على الدولار، في أعقاب محاولات روسيا وإيران لسداد المدفوعات بعملات مختلفة تحت ضغط العقوبات الأمريكية. وكانت جهود العراق لتجنب العقوبات من خلال بيع نفطه باليورو أحد العوامل التي دفعت إدارة بوش إلى إعلان الحرب على العراق في عام 2003، على الرغم من معارضة القوى الأوروبية.

وإذا نجحت تلك الجهود، فإنها ستقسم التجارة الدولية وسلاسل التوريد العالمية إلى كتل تجارية متنافسة وتدل على العودة، ولكن على مستوى أعلى بكثير، إلى أنماط الصراعات التي مزقت السوق العالمية في العقد الرابع من القرن الماضي قادت إلى إنشاء تلك الهيئات في ذلك العقد وكان المقصود من هذه الاتفاقية في فترة ما بعد الحرب، بدءاً بالاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، التي سبقت منظمة التجارة العالمية، منع حدوثها.

إن تدهور التوقعات الاقتصادية للاقتصاد العالمي يؤدي إلى زيادة الحرب الاقتصادية ويزيد من احتمال أن تؤدي إلى صراع عسكري. تنظر الولايات المتحدة إلى الحرب ضد إيران وحلفائها كوسيلة لحرمان الصين من الوصول إلى إمدادات النفط والغاز، فضلاً عن تقييد استثمارات بكين في المنطقة، وقبل كل شيء خططها لرقمنة اقتصادات الخليج، نظراً لأهميتها الاستراتيجية لاقتصاد الصين. سيكون ذلك بمثابة نقطة انطلاق في صراع أكثر فتكاً مع الصين، الذي أعدله استراتيجيو الحرب الأمريكيون وخططوا له، من وراء ظهور السكان إلى حد كبير.

Loading