العربية

يوم النصر في روسيا: دروس تاريخية حقيقية للطبقة العاملة

في يوم الجمعة، 9 أيار/مايو، شهدت جميع أنحاء روسيا عروضاً عسكرية وفعاليات احتفالية متنوعة مُخصصة للذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفيتي وحلفائه على الرايخ الثالث. و أُقيمت العروض وسط إجراءات أمنية مشددة.

أخذ بوتين على محمل الجد تصريحات زيلينسكي وسياسيين أوكرانيين آخرين، الذين صرّحوا علناً بقدرتهم على ضرب موسكو أو مدن روسية أخرى. تجدر الإشارة إلى أن وقف إطلاق النار الذي اقترحه الكرملين للفترة من 7 إلى 11 أيار/ مايو لم يُلتزم به فعلياً، على الرغم من تصريحات زيلينسكي بأن الجانب الأوكراني لن ينخرط في أعمال عدائية. لكن في الأيام التي سبقت 'يوم النصر'، شنّت أوكرانيا عدة هجمات بطائرات مُسيّرة على مناطق روسية، بما في ذلك بيلغورود.

وفقًا للأرقام الرسمية، شارك أكثر من مليون شخص في مسيرة في سانت بطرسبرغ لتكريم ضحايا الحرب. وشارك الآلاف في مظاهرات في أنحاء أخرى من البلاد، رافعين صور أجدادهم الذين قاتلوا وماتوا في الحرب. في روسيا، كما هو الحال في جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق، بما في ذلك أوكرانيا، فقدت كل عائلة تقريباً واحداً أو أكثر من أقاربها في الحرب ضد الفاشية التي أودت بحياة ما يقدر بنحو 27 مليون سوفييتي، أي ما يعادل واحداً من كل ستة مواطنين سوفييت على قيد الحياة قبل الحرب. خدم ملايين آخرون كجنود في الخطوط الأمامية أو عمالاً في الصفوف الخلفية، يعملون حتى الإرهاق والجوع لإطعام الجبهة وضمان النصر على هتلر.

في حين أن هناك وعياً شعبياً راسخاً بالحرب، إلا أن أهميتها الطبقية والتاريخية لا تُفهم نتيجة عقود من الستالينية. يبني نظام بوتين على إرث التزويرات التاريخية والقومية الستالينية لتقديم الحرب على أنها مهمة وطنية في المقام الأول. وعلى هذا الأساس، تصور روسيا غزوها الرجعي لأوكرانيا على أنه استمرار للنضال الذي خاضته الجماهير السوفييتية دفاعاً عن الاتحاد السوفييتي.

تشويهات بوتين القومية للحرب

كان عرض هذا العام هو الحادي والثلاثون في تاريخ روسيا الرأسمالية. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، في عهد الرئيس بوريس يلتسين، بدأت المسيرات العسكرية والفعاليات الاحتفالية تلعب دور سيل أيديولوجي مُدبّر استهدف العمال الروس بهدف تسميمهم بمزيج معادٍ للتاريخ. ووفقاً لهذه الرواية الزائفة، ما قاتل الشعب السوفيتي دفاعاً عن إنجازات ثورة أكتوبر ضد أكثر الأنظمة الرأسمالية همجية في التاريخ، بل ناضل من أجل 'الوطن الأم' و'المصالح الوطنية' التي يُزعم أنها قائمة منذ ألف عام.

بالنسبة لبوتين، ما كان الإنجاز التاريخي للشعب السوفيتي في النضال ضد هتلر، والذي كان ذا أهمية طبقية دولية، سوى حلقة في سلسلة مآثر الشعب الروسي العريق الذي يمتد لألف عام باسم ثقافته القومية. أصبحت أسطورة القومية الروسية الوسيلة الرئيسية لجهود نظام بوتين لإخفاء الاختلافات الجوهرية بين الأسس الاجتماعية للاتحاد السوفيتي وروسيا الرأسمالية الحديثة. تستند هذه الأسطورة إلى مزيج من التزوير التاريخي الصريح والتصوف الديني والإغفالات الفادحة.

صرح بوتين في خطابه خلال العرض العسكري في موسكو،:

أنقذ آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا الوطن. وأورثونا الدفاع عن الوطن، والاتحاد، والدفاع بحزم عن مصالحنا الوطنية، وتاريخنا الممتد لألف عام، وثقافتنا، وقيمنا التقليدية. كل ما هو عزيز علينا، وكل ما هو مقدس لدينا... من واجبنا الدفاع عن شرف جنود وقادّة الجيش الأحمر، وهو الإنجاز العظيم لممثلي جنسيات مختلفة سيخلّدون إلى الأبد في تاريخ العالم كجنود روس'.

بتحويله الجنود السوفييت إلى 'جنود روس'، أُوحي بوتين بأن الحرب ضد هتلر كانت مجرد مسألة دفاع وطني. في الواقع، تأسس الجيش الأحمر بقيادة ليون تروتسكي بعد ثورة أكتوبر لمحاربة برجوازية الإمبراطورية الروسية السابقة والتدخل الإمبريالي، وكان موجهاً في الأصل نحو الثورة العالمية للطبقة العاملة. ففي الحرب العالمية الثانية، ما تألف الجيش الأحمر من 'الروس' فحسب، بل تألف من جنود سوفييت، بما في ذلك ملايين من أوكرانيا والقوقاز وآسيا الوسطى وأقليات عرقية ودينية أخرى قاتلوا جنباً إلى جنب ضد الهمجية الإمبريالية.

ناهيك عن إنه، خلافاً لأساطير بوتين، مكان هناك ألف عام من تاريخ روسي مستمر، ففي أحسن الأحوال، ما كان هناك سوى 500 عام، بدءاً من أول دولة روسية مركزية في عهد إيفان الثالث. في ذلك الوقت، انتشر استخدام كلمة 'روسيا' على نطاق واسع كمرادف لاسم الدولة. ومع ذلك، ما اعتُمد هذا الاسم رسمياً إلا في عهد أول إمبراطور لروسيا، بطرس الأول، عام 1721. لا يمكن وصف السنوات الخمسمئة الأولى من هذا التاريخ بأنها روسية بالمعنى الذي يتعلق به الأمر بالقبائل السلافية الشرقية. ما كان هناك أي وجود لكيان روسي أو لفكرة وحدته. كانت الفكرة الوطنية لروسيا مستحيلة في ذلك الوقت. ارتبط الناس في المقام الأول بقبيلتهم أو أميرهم أو مدينتهم. كان التشرذم الذي أحدثه الأمراء والحروب المستمرة بينهم أبرز مظاهر عدم تجانس المجتمع في ذلك الوقت.

كرر بوتين، مع تعديلات طفيفة، دعاية ستالين خلال الحرب ضد هتلر بهدف ترويجه للقومية الروسية، ففي عهد ستالين، أُطلق على الحرب النازية السوفيتية اسم 'الحرب الوطنية العظمى'. وبهذا المصطلح، صُوّرت المعركة الجبارة للدفاع عن انتصارات ثورة أكتوبر على أنها استمرار لـ'الحرب الوطنية' التي خاضتها الإمبراطورية الروسية القيصرية ضد نابليون عام 1812. وكان الدافع الكامن وراء هذا المصطلح هو طمس الطابع الطبقي والدولي للحرب السوفيتية ضد ألمانيا النازية، التي تضمنت عناصر قوية من حرب أهلية ثورية، وتحويلها زوراً إلى شأن وطني بحت. ففي الواقع، بلغت الدعاية القومية للبيروقراطية السوفيتية خلال الحرب العالمية الثانية، المؤقتة إذ انخرط ستالين لسنوات عديدة في إعادة تأهيل القياصرة الروس القدامى، وإحياء الشوفينية الروسية العظمى، وسعى بكل الطرق إلى محو تاريخ الحرب الأهلية من الذاكرة كحرب طبقية ضد الإمبريالية والبرجوازية.

كانت تلك الدعاية استمراراً لخيانة ستالين القومية للثورة، استنادًا إلى برنامج 'بناء الاشتراكية في بلد واحد'. وكان الهدف منها تقويض وإضعاف الدوافع الثورية في وعي الجماهير التي انتعشت مع الهجوم النازي على الاتحاد السوفيتي، التي ما اقتصر تهديدها على الغزاة الفاشيين، بل و البيروقراطية السوفيتية التي انتزعت السلطة السياسية من الطبقة العاملة بعنف.

ففي الواقع، تحملت البيروقراطية الستالينية قسطاً كبيراً من المسؤولية السياسية عن صعود الفاشية وحجم الدمار الذي ألحقته بالشعب السوفيتي. فقبل ثلاث سنوات فقط من الحرب، شهدت البلاد ذروة إرهاب الدولة ضد البلاشفة القدامى وجميع معارضي نظام ستالين في فترة الإرهاب الكبير. و في تلك الحملة من القتل الجماعي، قُتل جميع القادة الرئيسيين لثورة أكتوبر وآلاف التروتسكيين، بمن فيهم ليون تروتسكي نفسه في آب/أغسطس 1940. تضمنت عملية الإرهاب تطهيراً واسع النطاق للجيش الأحمر، الأمر الذي أضعفه وشجع هتلر على مهاجمة الاتحاد السوفيتي في حزيران/ يونيو 1941. أمل هتلر أن تكون عمليات التطهير التي شنها ستالين أضعفت الجيش الأحمر إلى درجة أن يعاني الاتحاد السوفيتي من هزيمة ساحقة عند أول ضربة قوية.

لحسن الحظ، ما تحققت آمال هتلر بالكامل. ومع ذلك، وصل الاتحاد السوفيتي إلى حافة الدمار. كانت الأشهر الأولى من الحرب بمنزلة فشل ذريع وأكدت إفلاس الزمرة الستالينية، التي كانت غير مستعدة أبداً للحرب. ففي عام 1941 وحده، بلغت خسائر المعارك 3 ملايين شخص، أي أكثر من أي نصف عام آخر من الحرب. في الواقع، تمكن الاتحاد السوفيتي من الصمود لأن نظام هتلر كان في أزمة أشد حدة وعجز عن شن حرب طويلة ضده على هذه المسافات الشاسعة. كانت مصاعب الحرب التي حلت ببلد ضعيف بالفعل ونزف حتى الموت بسبب القمع غير مسبوقة: 11.4 مليون ماتوا في القتال؛ 7.4 مليون أُبيدوا عمداً؛ 2.2 مليون ماتوا في العمل القسري في ألمانيا؛ 4.1 مليون ماتوا من الجوع والمرض ونقص الرعاية الطبية. بلغ إجمالي الخسائر السكانية 27 مليون شخص. في حين بلغت الخسائر المادية خلال السنوات الأربع من الحرب ما عادل 30% من الثروة الوطنية للاتحاد السوفييتي.

تجدر الإشارة إلى 'المعاملة الخاصة' التي تلقاها الشيوعيون على يد النازيين: فقد كان من المقرر إعدام جميع العاملين السياسيين في الجيش الأحمر فوراً، فوفقاً لأمر الفيرماخت المؤرخ في 6 حزيران /يونيو 1941 ('أمر المفوض'). ونتيجةً لذلك، تضرر الحزب الشيوعي بشدة من الإرهاب الفاشي. وعلى الرغم من أن ستالين اغتصبه لفترة طويلة وفقد الحزب أفضل قادته، إلا أنه كان لا يزال يمتلك عددًا كبيرًا من أعضاء الحزب الشيوعي من الرتب والملفات مصممين على الدفاع عن إنجازات ثورة أكتوبر. فقد مات واحد من كل ثلاثة من أصل 9.1 مليون شيوعي قاتلوا ضد هتلر.

ففي خطابه بمناسبة يوم النصر، صرّح بوتين بأنه لن يسمح بإعادة كتابة التاريخ. وفي محاولة لتقديم نفسه على أنه مؤيد للحقيقة التاريخية، لم يتطرق بوتين إلى ما دفع الألمان، الذين كانوا يوماً ما في طليعة العديد من مجالات العلوم والتكنولوجيا، إلى اتباع هتلر وتحدي وجود الاتحاد السوفيتي ذاته. ستكون الأسباب الحقيقية مزعجةً للغاية بالنسبة لعميل الكي جي بي الستاليني السابق.

لفهم أسباب الحرب العالمية الثانية وأصول حرب الإبادة التي شنّها الرايخ الثالث ضد الاتحاد السوفيتي، لا بد من تحليل الوضع بعد الحرب العالمية الأولى وثورة أكتوبر عام 1917، التي انبثق منها الاتحاد السوفيتي.

شكّل اندلاع الحرب العالمية الأولى واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة في ثورة أكتوبر عام 1917 نهايةً للتوازن الرأسمالي الذي كان قائمًا قبل الحرب. ومنذ ذلك الحين، اتسمت أوروبا والعالم بأزمات اجتماعية حادة وتحولات سريعة بين الأوضاع الثورية والمعادية للثورة.

بلغ هذا ذروته في أحداث ألمانيا في أوائل العقد الرابع من القرن الماضي، عندما هُدّدت الطبقة العاملة الألمانية باستيلاء النازيين بقيادة هتلر، الذي كان مدعوماً من قِبَل الطبقة الماليةالحاكمة في ألمانيا. على الرغم من تنظيم الطبقة العاملة الألمانية وخبرتها وأعدادها الكبيرة، تمكّن هتلر من الوصول إلى السلطة. شرع على الفور في تدمير جميع المنظمات العمالية والبرلمان والمحاكم، وأنشأ ديكتاتورية شمولية هدفت إلى شن الحرب والإبادة الجماعية.

ما كانت أسباب هذه الكارثة 'نفسية ألمانية خاصة'، بل السياسات اليسارية المتطرفة الزائفة التي انتهجتها قيادة الحزب الشيوعي الألماني، الخاضعة مباشرةً لتأثير الأممية الشيوعية الستالينية. ومع ترسيخ البيروقراطية في الاتحاد السوفيتي لسلطتها السياسية وامتيازاتها الاجتماعية، حوّلت الكومنترن من حزب عالمي إلى أداة للسياسة الخارجية السوفيتية. وبرفضهم سياسة 'الجبهة المتحدة' التي اقترحها تروتسكي لتوحيد العمال الألمان الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين في النضال ضد صعود هتلر، استسلم الستالينيون دون قتال، ومهدوا الطريق للنازيين إلى السلطة.

أدى هذا إلى إقامة أكثر الأنظمة الرأسمالية رجعية في التاريخ في أكثر الدول الأوروبية تقدماً، والتي بدأت عملية إعادة تسليح سريعة، ورأت أن مهمتها هي تخليص العالم من البلشفية والاشتراكية، أي، قبل كل شيء، القضاء على الاتحاد السوفيتي نفسه، وهو هدف فشلت القوى الإمبريالية في تحقيقه خلال الحرب الأهلية 1918-1921.

أشعلت هذه الهجمة الرجعية الضروس الوعي الثوري للجماهير السوفيتية التي دافعت ببسالة عن انتصارات ثورة أكتوبر ضد النازية على الرغم من الجرائم البشعة التي ارتكبتها الستالينية. ولكن في النهاية، كانت البيروقراطية الستالينية هي التي تمكنت من تحقيق ما فشل النازيون في تحقيقه عام 1941إذ دمرت عام 1991، الاتحاد السوفيتي وأعادت الرأسمالية بالكامل في روسيا وأوكرانيا وجميع الأجزاء الأخرى من الاتحاد السوفيتي السابق. ومن هذه الثورة المضادة المطولة، برز نظام بوتين، وارثاً ومحيي السمات الرئيسية للأيديولوجية الستالينية.

لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن نظام بوتين أعاد تأهيل ستالين بشكل أكثر صراحة. فمن بين 110 نصب تذكارية لستالين قائمة في روسيا اليوم، تم بناء 95 في عهد بوتين. وفي الآونة الأخيرة، أقامت السلطات نصباً تذكارياً لستالين في محطة مترو أنفاق شهيرة في موسكو. وفي الوقت نفسه، تعرضت النصب التذكارية لضحايا الإرهاب للتخريب بشكل متكرر. وافق بوتين مؤخراً على تغيير اسم مطار فولغوغراد إلى ستالينغراد، دون اعتراض على عودة فولغوغراد إلى اسمها الستاليني القديم. أُعيد تفسير مجازر ستالين الجماعية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الثوار والمواطنين الأبرياء على أنها 'صراع ضروري ضد أعداء الشعب'.

آمال بوتين في التوصل إلى اتفاق مع الإمبريالية

لا يقتصر بوتين على ترويجه للشوفينية الروسية العظمى ويزيف التاريخ على غرار ستالين، بل ورث في سياسته الخارجية أيضاً المفهوم غير العقلاني للبيروقراطية السوفيتية القائل بإمكانية تحقيق 'تعايش سلمي' مع القوى الإمبريالية من خلال مزيج من الصفقات والمناورات والهجمات على الطبقة العاملة. لكنه يفعل ذلك في ظل ظروف دُمِّر فيها الاتحاد السوفيتي بالفعل، وأصبح الهدف الرئيسي لسياسته الخارجية هو حماية مصالح عصابة الأوليغارشية الإجرامية التي انبثقت من البيروقراطية السوفيتية كطبقة حاكمة جديدة لروسيا الرأسمالية.

وآخر تكرار لهذا التوجه الأساسي هو مناشدات نظام بوتين لـ'صانع السلام' ترامب. ففي مقابلة أجريت معه مؤخراً أثناء تصوير 'فيلم وثائقي'، أعرب بوتين عن أمله في أن يعقد ترامب صفقة مع روسيا. وفي معرض تقييمه للتوتر بين ترامب والأوروبيين، أشار بوتين بارتياح خاص إلى إن

ترامب، بشخصيته وإصراره، سيُعيد النظام، وستقف جميع (النخب الأوروبية) عند قدمي سيدها وتداعبه برفق.

بعبارة أخرى، يأمل بوتين أن تُحل الحرب بالوكالة ضد الناتو في أوكرانيا بفضل 'شخصية وإصرار' الرئيس الفاشي ترامب، الذي انفجرت في عهده الصراعات بين الولايات المتحدة ومنافسيها الإمبرياليين الأوروبيين إلى العلن.

و اعترف بوتين مؤخراً بأن روسيا ما كانت مستعدة لغزو أوكرانيا في عام 2014. في الواقع، ما كانت روسيا مستعدة أيضاً في شباط/ فبراير 2022، عندما بدأ الغزو في خطوة رجعية بقدر ما كانت مغامرة. ففي ذلك الوقت، اعتمد الكرملين د على نصر سريع لإجبار القوى الإمبريالية ونظام كييف على سلام أكثر ملاءمة لروسيا. لكن 'النصر السريع' المُتخيل تحول إلى حرب استنزاف استمرت ثلاث سنوات.

في الوقت نفسه، يخشى بوتين جرّ شرائح أوسع من الشعب إلى الحرب، إذ يدرك مخاطر تكرار مصير النظام القيصري خلال الحرب العالمية الأولى الذي أُطيح به بعد إرسال ملايين الجنود إلى المذابح.

عندما نفّذ بوتين التعبئة الجزئية في أيلول /سبتمبر 2022، كانت من أخطر الخطوات على حكمه. كان رد فعل الشعب عدائياً لدرجة أن بوتين لم يجرؤ على اتخاذ إجراءات مماثلة مرة أخرى، مُركّزاً بدلاً من ذلك على تجديد موارد الجيش من خلال المدفوعات النقدية، مما أدى إلى استقطاب رجال وطنيين يعانون من ضائقة مالية شديدة وعدد من السجناء.

في ليلة 11 أيار/ مايو، أعلن بوتين استعداده لبدء محادثات السلام في 15 أيار/ مايو في إسطنبول، وردّ زيلينسكي باستعداده للسفر إلى إسطنبول. فخوفاً من الانهيار الاقتصادي في ظل العقوبات وركود الإنتاج المحلي، قد يوافق بوتين على صفقة أقل ملاءمة له لمنع الاضطرابات الاجتماعية. إن أمله في ارتفاع الروح الوطنية، الذي كان مبرراً إلى حد ما في السنوات الأولى من الحرب، ما عاد ثابتاً اليوم.

استند الصعود الأولي للنزعة الوطنية، على ذكريات أهوال الحرب ضد الفاشية التي لا تزال حية لدى غالبية السكان. وباستغلال هذه المشاعر، نجح بوتين، وريث 'حفار قبور الثورة' ستالين، في تقديم نفسه كوريث للنضال ضد الفاشية. وعززت القوى الإمبريالية هذه الدعاية بالترويج العلني للقوى النازية الجديدة في أوكرانيا، التي فُضحت جرائمها خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، لا يمكن لأي تحريف تاريخي أو دعاية قومية أن تُخفي التناقضات الطبقية الحادة في المجتمع الروسي.

يُعدّ نظام بوتين حامياً لأكبر تفاوت اجتماعي في تاريخ روسيا الحديثة. حتى خلال الحرب، استمر عدد المليارديرات الروس في النمو، ليصل إلى 146، وفقاً لمجلة فوربس. وفي عام 2024 وحده، تمكن هؤلاء الـ 146 من زيادة ثرواتهم بما مجموعه 48.7 مليار دولار.

برز بوتين كشخصية بونابارتية، مهمتها الرئيسية حماية هذه الثروة الهائلة للأوليغارشية من خلال الموازنة بين مختلف قطاعات الأوليغارشية، والموازنة بينها وبين الإمبريالية. إلا أن سياسات الكرملين العسكرية والاقتصادية لم تُفضِ إلا إلى تفاقم جميع اختلالات ما قبل الحرب في الرأسمالية الروسية.

بصفته سياسياً متمرساً تدرب على يد المخابرات السوفيتية (كي جي بي) الستالينية، يُدرك بوتين جيداً أن دوره كـ'منقذ الأمة' يتعرض لتهديد متزايد. ومع ذلك، ليس لديه حل منطقي للأزمة المتفاقمة التي يعيشها نظامه سوى الاستمرار في المناورة مع القوى الإمبريالية وترويج القومية لتشتيت الطبقة العاملة وتقسيمها. هذه السياسة، المتجذرة في المصالح الطبقية للأوليغارشية، بدلاً من حماية الجماهير من الإمبريالية، تُهيئ الأرضية لكارثة أعظم من حرب أوكرانيا التي أودت بحياة مئات الآلاف.

ومع استحالة التنبؤ بنوع الصفقة التي ستتوصل إليها موسكو وكييف، إن وُجدت، إلا أنه يُمكن الجزم بأن أي صفقة لن تُحل التناقضات الجوهرية للنظام الرأسمالي العالمي التي تدفع القوى الإمبريالية نحو سعيٍ أكثر عدوانية لإعادة تقسيم العالم. ومهما كانت التحولات التكتيكية، فإن السيطرة الكاملة على موارد الاتحاد السوفيتي السابق لا تقل أهميةً للقوى الإمبريالية اليوم عما كانت عليه بالنسبة للنظام النازي في الحرب العالمية الثانية. شكلت الإبادة الجماعية في غزة تحذيراً شريراً لمستويات العنف التي تستعد الإمبريالية للجوء إليها اليوم لتحقيق أهدافها.

لذلك، في الذكرى الثمانين للانتصار على النازية، من الضروري أن يدرك العمال في روسيا الصلة الوثيقة بين مصيرهم ومصير عمال البلدان الأخرى. وحدها الثورة العالمية للطبقة العاملة قادرة على وقف لصراع الإمبريالي الناشئ حول إعادة تقسيم العالم. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الطبقة العاملة الروسية وإخوانها وأخواتها الذين يعيشون في الاتحاد السوفيتي السابق أن يتعلموا دروس الحرب العالمية الثانية وسياسات الستالينية، وأن يعودوا بوعي إلى تقاليد ثورة أكتوبر، التي جسّدها لينين وتروتسكي ونضال المعارضة اليسارية.

ناضل رفيقنا بوغدان سيروتيوك، قائد الحرس الشاب للبلاشفة اللينينيين (YGBL)، من أجل هذه المبادئ تحديداً. ولهذا السبب، سُجن من قبل نظام زيلينسكي في أوكرانيا.و في هذه الذكرى، ندعو جميع العمال والشباب في الاتحاد السوفيتي السابق للانضمام إلى حملة إطلاق سراح بوغدان سيروتيوك، والنضال من أجل البرنامج الأممي الذي يمثله بوغدان واتحاد الشباب البلشفي اللينينيين.

وحّدوا عمال روسيا وأوكرانيا ضد الإمبريالية والأنظمة الأوليغارشية في موسكو وكييف!

انضموا إلى الحرس الشاب للبلاشفة اللينينيين!

شكّلوا اللجنة الدولية للأممية الرابعة في الاتحاد السوفيتي السابق!

Loading