العربية

كفى تضحية بالجنود من أجل أرباح الأغنياء! من منظور اشتراكي ضد إعادة فرض التجنيد الإجباري في ألمانيا

وُزِّع هذا البيان في المظاهرات والاحتجاجات التي نُظِّمت في جميع أنحاء ألمانيا في 5 ديسمبر/كانون الأول ضد إعادة فرض التجنيد الإجباري.

مثِّل إضراب المدارس اليوم ضد إعادة فرض التجنيد الإجباري، الذي شارك فيه آلاف التلاميذ والطلاب في جميع أنحاء ألمانيا، خطوةً مهمةً في بناء حركةٍ ضد التسلح والحرب. لكنّ المنظمين بذلوا قصارى جهدهم لاستبعاد القضية المحورية، وهي إعادة التسلح الضخمة والاستعدادات الحربية للحكومة الفيدرالية، من الاحتجاجات، وحصرها في أضيق المطالب وأكثرها إلحاحاً. بل إنهم على استعدادٍ للتعاون مع القوى العسكرية في الدولة والجيش إذا ما أصدرت تلك القوى تصريحاتٍ شفهيةً ضد التجنيد الإجباري العام.

لا يمكن تحقيق أي مكاسب على هذا الأساس. إذا ما أعادت الطبقة الحاكمة الألمانية تسليح نفسها على نطاق ما شهدته منذ عهد هتلر، ودعمت الإبادة الجماعية المروعة في غزة، واستعدت مجدداً علناً للحرب مع روسيا، فسوف يُعاد فرض التجنيد الإجباري. وقد أوضح الائتلاف الحاكم المكون من الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) هذا الأمر جلياً في مشروع قانون 'الخدمة العسكرية الجديدة'. إذ نص صراحةً على التسجيل الإلزامي، والفحوصات الطبية الإلزامية، وبمجرد أن يصبح عدد 'المتطوعين' غير كافٍ، التجنيد الإجباري لتلبية أهداف الجيش من حيث عدد الأفراد.

لذا، فإن النضال ضد التجنيد الإجباري يتطلب نضالاً ضد الحرب والعسكرة، وضد جذورهما أي ضد الرأسمالية. ندعو كل من يشارك في الإضراب إلى قراءة هذا النداء ونشره، والمشاركة الفعّالة في بناء حركة اشتراكية دولية مناهضة للحرب.

نرفض التجنيد الإجباري، بأي شكل من الأشكال وفي أي وقت يُخطط له. نرفض أن نكون وقوداً للمدافع من أجل أرباح الأغنياء!

إعادة التجنيد الإجباري جزء من عسكرة المجتمع ككل. فبعد ثمانين عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، تستعد الحكومة الألمانية مجددًا لتجنيد جيل كامل في الثكنات والخنادق، ليُضحى بأرواح الشباب من أجل المصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة. ويدفع ائتلاف الحزب الديمقراطي المسيحي/الحزب الاشتراكي الديمقراطي عملية إعادة تسليح الجيش الألماني (البوندسفير) بوتيرة متسارعة.

ويُخطط لتوسيع الجيش الألماني ليصبح أكبر جيش بري نظامي في أوروبا. وتعتزم الحكومة زيادة قوام القوات بنحو 80 ألف جندي، وإنشاء قوة احتياطية قوامها مئات الآلاف. ويُوفر قانون الخدمة العسكرية الجديد الإطار القانوني لهذا التوسع الهائل، من خلال التجنيد الإجباري والاستدعاءات اللاحقة. وقد بلغ الإنفاق العسكري الألماني بالفعل مستويات قياسية، وسيزداد أكثر من خلال 'الخدمة العسكرية الجديدة' لتمويل التوسع المُخطط له في الأفراد والأسلحة.

لا علاقة لهذا الأمر بـ'الدفاع عن النفس'. إن غزو روسيا رجعي لأوكرانيا لا يُغيّر حقيقة أن القوى الإمبريالية أعدّت لتلك الحرب بشكل منهجي لسنوات. فمنذ تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991، دأب حلف الناتو، متجاهلاً جميع الضمانات التي قُدّمت لموسكو، على توسيع حدوده شرقاً وفرض حصاراً عسكرياً على روسيا. ولعبت برلين دوراً محورياً في ذلك الهجوم.

ببرنامج إعادة التسلح الحالي، تعود الحكومة الألمانية إلى أهدافها الحربية التاريخية من الحربين العالميتين الأولى والثانية. هدفها المعلن هو أن تكون ألمانيا، بعد ثمانين عاماً من الهزيمة الكارثية التي مُني بها جيش هتلر (الفيرماخت)، قادرة مرة أخرى على الانتصار في حرب ضد روسيا المسلحة نووياً. بالنسبة لنا، هذا يعني المصير نفسه الذي عانى منه الشباب آنذاك، والذي يعانيه الشباب في أوكرانيا وروسيا اليوم: التجنيد الإجباري، والخنادق، والموت.

إنّ الهمجية التي تُحضّر لها الطبقة الحاكمة، وحقيقة أنّ سياستها لا تمتّ بصلة إلى 'الديمقراطية' أو 'حقوق الإنسان'، تتجلّى بالفعل في غزة. فمنذ ما يقارب العامين، تشارك الحكومة الاتحادية في إبادة جماعية هناك، في ذبح عشرات الآلاف من الأطفال والشباب. وأيّ حكومة تدعم مثل تلك الجرائم مستعدة أيضاً للتضحية بجيلنا في حرب عالمية جديدة.

يجري، استعداداً لذلك، بالفعل عسكرة المدارس والجامعات. يظهر ضباط الشباب في الفصول الدراسية ليصوروا القتل في سبيل الوطن على أنه 'خدمة للديمقراطية'. تُحوّل الجامعات والكليات إلى مراكز أبحاث وتدريب عسكرية، بينما تُقمع الاحتجاجات ضد الحرب والإبادة الجماعية في الحرم الجامعي بشراسة من قبل شرطة مدججة بالسلاح.

ما كان حتى هذا كافياً لغرس سم العسكرة في نفوس الشباب. فعلى الرغم من سنوات من الدعاية الحربية المتواصلة في المدارس والجامعات، تُظهر استطلاعات الرأي أن حوالي 16% فقط من الشباب مستعدون لحمل السلاح من أجل ألمانيا في حال نشوب حرب. لهذا السبب يُراد إعادة التجنيد الإجباري. سيخضع الشباب لانضباط عسكري ويُجبرون على الخدمة العسكرية لكسر هذه المعارضة.

يجب ألا نسمح بحدوث هذا. يجب وقف الدفع نحو الحرب ومنع التجنيد الإجباري. لن نسمح بأن يُضحى بجيلنا مرة أخرى في ساحات قتل لمصلحة الأغنياء.

ضدّ النزعة السلمية الزائفة

نرفض التجنيد الإجباري ليس فقط لأننا لا نريد الموت في الخنادق، بل لأننا لا نريد أن يموت أحدٌ في الخنادق. نعارض التجنيد الإجباري لأنه جزء من دوامة حربٍ تحصد المزيد من الأرواح.

لا شيء أشدّ إثارةً للاشمئزاز من سياسات 'الشبيبة الخضراء' و'الاشتراكيين الشباب' (جوسو Juso )، المنظمة الشبابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذين يدعمون تصعيد الحرب ولا يعترضون إلا عندما تكون حياتهم على المحك. تدعم المنظمات الشبابية لجميع الأحزاب البرلمانية الإبادة الجماعية في غزة، وتحرض يومياً على تصعيد الحرب ضد روسيا. إنهم يقبلون التضحية بالشباب الروسي والأوكراني، والأطفال الفلسطينيين، على مذبح الربح، طالما أنهم لا يُرسلون هم أنفسهم إلى المذبحة.

إذا كان لا بدّ من التضحية بالشباب الألماني، فإن هذه الجماعات تُصرّ على ألا يكون ذلك من صفوفها، بل من أبناء الطبقة العاملة الذين 'يتطوعون' في الجيش الألماني (البوندسفير) لأنهم لا يرون سبيلاً آخر للحصول على التدريب أو بناء مستقبل. كل تخفيض في الإنفاق على التعليم والشؤون الاجتماعية تنفذه الأحزاب الحاكمة يزيد الضغط على شباب الطبقة العاملة للتطوع، بينما يًستثنى مسؤولو منظمة جوسو وشباب الخضر.

ندين هذا التظاهر السلمي الزائف من جانب الطبقات الوسطى المرفهة، المؤيدة للحرب طالما أنها لا تمسها شخصياً. بالنسبة لنا، وقف التجنيد الإجباري يعني وقف تصعيد الحرب.

كما نرفض موقف منظمات مثل حزب اليسار، الذي يعارض التجنيد الإجباري اسمياً، ولكنه يدعم إعادة تسليح الجيش الألماني (البوندسفير) تحت مسمى 'جيش الدفاع'. ليس من قبيل المصادفة أن حزب اليسار صوّت في البوندسرات، المجلس الأعلى للبرلمان، لصالح اعتمادات الحرب البالغة تريليون يورو، ثم ساهم في تمهيد الطريق أمام ميرز ليصبح مستشاراً على رأس أكثر الحكومات الألمانية يمينية بعد الحرب.

أظهر تصعيد الحرب ضد روسيا، ودعم الحكومة الألمانية للإبادة الجماعية في غزة، والهجمات على إيران، أن تعزيز الجيش الألماني لا علاقة له بـ'الدفاع'، بل يخدم مصالح إمبريالية جشعة.

يثير هذا الأمر تساؤلات سياسية جوهرية. فكل من يدّعي إمكانية بناء الجيش الألماني (البوندسفير) كقوة دفاعية بحتة، يدّعي إمكانية وجود رأسمالية سلمية. لكن الحربين العالميتين، والخطر المحدق باندلاع حرب ثالثة، تُثبت استحالة وجود رأسمالية سلمية.

لا تنشأ الحرب من ضغائن السياسيين الأفراد في قمة الهرم الاجتماعي، بل من التناقضات الموضوعية للرأسمالية. فالتناقض بين السوق العالمية وانقسامها إلى دول قومية متنافسة يؤدي حتماً إلى الصراع على الأسواق والموارد الخام، والذي يتخذ شكل الحرب.

طالما بقيت الرأسمالية، ستظل الحروب قائمة. لذا، فإن 'البوندسفير السلمي' أمر مستحيل ووهم خطير.

من منظور اشتراكي ضد الحرب

ومن هذا المنطلق، لا بد من استخلاص استنتاجات حاسمة. فالنضال ضد التجنيد الإجباري هو نضال ضد الحرب وجذرها، وهو النظام الرأسمالي. لذلك نناضل من أجل بناء حركة مستقلة للطبقة العاملة، تستند إلى المبادئ السياسية التي وضعتها اللجنة الدولية للأممية الرابعة في بيانها الصادر عام 2016 بعنوان 'الاشتراكية والنضال ضد الحرب':

يجب أن يرتكز النضال ضد الحرب على الطبقة العاملة، القوة الثورية العظمى في المجتمع، وأن يوحد خلفها جميع العناصر التقدمية في المجتمع.

  • يجب أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب مناهضة للرأسمالية واشتراكية، إذ لا يمكن خوض نضال جاد ضد الحرب إلا في سبيل إنهاء دكتاتورية رأس المال المالي والنظام الاقتصادي الذي يُعدّ السبب الجذري للعسكرة والحرب.
  • لذا، يجب أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب، بالضرورة، مستقلة تماماً وبشكل قاطع عن جميع الأحزاب والمنظمات السياسية التابعة للطبقة الرأسمالية، وأن تكون معادية لها.
  • يجب، في المقام الأول، أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب عالمية، تحشد القوة الهائلة للطبقة العاملة في نضال عالمي موحد ضد الإمبريالية. يجب مواجهة الحرب الدائمة للبرجوازية برؤية ثورة دائمة تقودها الطبقة العاملة، هدفها الاستراتيجي هو إلغاء نظام الدولة القومية وإقامة اتحاد اشتراكي عالمي. بهذه الطريقة فقط يمكن تخطيط موارد العالم وتنميتها بشكل عقلاني للقضاء على الفقر والارتقاء بالثقافة الإنسانية إلى آفاق جديدة.

نداء إلى جميع الشباب: نظموا أنفسكم في المدارس والجامعات ومراكز التدريب ضد إعادة التجنيد الإجباري. ناقشوا هذا البيان مع زملائكم في الدراسة والعمل. تواصلوا معنا وانضموا إلينا.

Loading