17مارس 2024
لم تحرك الأنظمة العربية ساكناً لمعارضة حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل على غزة.
وبدلاً من ذلك، تواطأت في كل خطوة على الطريق مع عصابة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الفاشيين والمستوطنين والمتعصبين الدينيين الملتزمين بالسيادة اليهودية 'من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط'، حتى وهم يفركون أيديهم ويطالبون بوقف إطلاق النار.
وقد اعتمد نتنياهو ورعاته الماليين في واشنطن عليه في القيام بذلك لأن سجلها برمته فيما يتعلق بالفلسطينيين كان سجلاً من الخيانة المخزية.
عندما سُئل يوم الأحد الماضي عما إذا كانت القوات الإسرائيلية ستنتقل إلى رفح، أجاب نتنياهو: 'سنذهب إلى هناك. لن نتركهم.' وأضاف أنه حصل على دعم ضمني من العديد من القادة العرب، قائلاً: 'إنهم يفهمون ذلك، بل ويوافقون عليه بهدوء'، وذلك في مقابلة مع عملاق الإعلام الألماني أكسل سبرينغر يوم الأحد 10 مارس/آذار. 'إنهم يفهمون أن حماس جزء من محور الإرهاب الإيراني'.
ولم يذكر نتنياهو أسماء، لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك. وكانت المملكة العربية السعودية والأردن وقطر ومصر والإمارات العربية المتحدة على اتصال مستمر مع إسرائيل وكبار المسؤولين في إدارة بايدن تحت ستار التوسط في اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة.
لكن الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد ريان كروكر كان أكثر وضوحا في تأكيد كل كلمة قالها نتنياهو. وفي مقابلة ذات دلالة مع مجلة بوليتيكو في الشهر الماضي، أخرج القطة من الحقيبة، وأوضح بشكل لا لبس فيه لماذا، على الرغم من دعم الحقوق الفلسطينية علناً، لا يوجد أي من الأنظمة العربية على استعداد لقبول اللاجئين الفلسطينيين، لأنها لطالما نظرت إلى الفلسطينيين بعين' الخوف والبغض.'
كروكر في وضع يسمح له أن يعرف. فقد بدأ حياته الدبلوماسية بالعمل في القنصلية الأمريكية في مدينة خورمشهر الساحلية الداخلية، بالقرب من حقول النفط الإيرانية، في عام 1972 في عهد الشاه، ثم خدم لاحقًا في لبنان وسوريا وأفغانستان والعراق وباكستان والكويت. وفي حين أنه ليس من الضروري قبول كل ما قاله، إلا أن كروكر كشف عن كراهية الأنظمة العربية المستمرة للفلسطينيين وقدم أمثلة على خيانتهم وازدواجيتهم المتكررة.
وفي استعراضه لتاريخ الفلسطينيين، أوضح كروكر أن نكبة عام 1948، عندما فر أكثر من 700 ألف فلسطيني إلى الأردن وغزة ولبنان وسوريا هرباً من الإرهاب الصهيوني والحرب العربية الإسرائيلية 1947-1949، 'هزت شرعية الأنظمة العربية في نظر الفلسطينيين . أعلنت سبع دول عربية الحرب على الصهاينة، وتم هزيمتها بشكل حاسم. خشي القادة العرب عواقب فشلهم في فلسطين، سواء من عناصر داخل مجتمعاتهم أو من الفلسطينيين أنفسهم... لكن حقيقة أن وحدات (جيش التحرير الفلسطيني) كانت تحت قيادة الجيوش العربية سمحت لهم بالحفاظ على السيطرة على الأسلحة الفلسطينية حتى حرب الأيام الستة [1967] '.
ووصف تجربة الفلسطينيين كلاجئين في الدول العربية المجاورة بأنها 'جحيم خالص على العموم'. فقط في الأردن حصلوا على الجنسية. أما في لبنان، فظلوا جنسية لبنانية ، ولا يمكنهم التملك ويواجهون قيوداً على الوظائف المسموح لهم بالقيام بها، مما جعلهم عرضة للاستغلال المفرط.
وكانت الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، التي خلقت موجة جديدة من اللاجئين، ذهب معظمهم إلى الأردن إلى حد كبير، سبباً في تغيير علاقات الأنظمة العربية مع الفلسطينيين بشكل كبير. لقد أنهت هزيمتهم الحاسمة أي احتمال لهزيمة إسرائيل عسكرياً. ولكنها أدت أيضاً إلى قيام حركة فتح التي تزعمها ياسر عرفات، مع التزامها بإقامة دولة فلسطينية عن طريق الكفاح المسلح، بالسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، وهي مجموعة جامعة تضم فصائل متعددة، لكل منها أيديولوجيات مختلفة، ولكل منها أيديولوجيات مختلفة طلبت الدعم من دول عربية مختلفة، ومن موسكو أو من بكين.
أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها الآن باعتبارها 'الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني'، حركة جماهيرية. وأصبح النضال الفلسطيني مستقلاً إلى حد ما عن الأنظمة العربية، وخاصة في الأردن وسوريا. تضافرت هذه العوامل لتحويل الصراع من أجل السيطرة الفلسطينية على الأراضي العربية، في لبنان عام 1969 والأردن عام 1970، – وقلب الأنظمة العربية ضد الفلسطينيين. أصبح النضال، في جوهره، صراعاً دولياً، يتجاوز إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ويهدد النخب الحاكمة في الدول المجاورة التي كانت هي نفسها ضعيفة، وممزقة بالانقسامات وتواجه طبقة عاملة وفلاحية فقيرة بشكل متزايد، بالإضافة إلى الشتات الفلسطيني.
وكما أوضح كروكر، ففي حين قدم القادة العرب الدعم بشكل روتيني لمنظمة التحرير الفلسطينية فيما وصفه بـ 'العنصر الأساسي في السياسة العربية... فإن الممارسة الفعلية للحكومات العربية تجاه الفلسطينيين كانت عكس ذلك تمامًا'. وفي تقييم له دلالة خاصة، قال تنظر جميعها ن إلى الفلسطينيين الذين لجأوا إلى بلدانهم 'كتهديد، وسكان أجانب يجب إضعافهم إن لم يكن إبادتهم'.
الأردن
بعد عام 1967، كثف الفلسطينيون هجماتهم على إسرائيل من بلدة الكرامة الحدودية الأردنية، وسط دعم متزايد داخل الضفة الغربية المحتلة والأردن، حيث كان أكثر من نصف سكان البلاد من الفلسطينيين. ومع تنامي قوة منظمة التحرير الفلسطينية، بدأت بعض الفصائل الفلسطينية في الدعوة إلى الإطاحة بالنظام الملكي الأردني، الذي نصبته بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى لرئاسة دولة صغيرة مصممة لتكون غير قابلة للحياة وتعتمد على لندن. وأدى ذلك إلى اشتباكات عنيفة في عام 1970.
وكما أوضح كروكر، تمكن العاهل الأردني الملك حسين من هزيمة منظمة التحرير الفلسطينية فيما أصبح يعرف باسم 'أيلول الأسود'، 'ليس فقط بسبب براعة الجيش الأردني ولكن أيضاً لأن سوريا رفضت توفير غطاء جوي للدبابات السورية الداعمة للفلسطينيين'. كما وعدت عندما تعرضوا لهجوم أردني، مما أجبر اللواء على الانسحاب. وقد ترك ذلك الفلسطينيين معزولين، وقتلت قوات الحسين الآلاف في مذابح. يكتب كروكر: 'كانت تلك القوة الجوية السورية تحت قيادة جنرال يُدعى حافظ الأسد (حاكم سوريا اللاحق)، الذي كانت كراهيته وخوفه من كل ما هو فلسطيني شديد' و شكل موقفه سابقة تكررت ليس فقط في سوريا بل من قبل كل الأنظمة العربية.
الحرب الأهلية في لبنان 1975-1989
انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان. وبموجب اتفاق توسطت فيه القاهرة في نوفمبر 1969، أقامت حركات حرب العصابات الفلسطينية قواعدها هناك، وبدأت في السيطرة جزئياً على الأقل على 16 مخيم رسمي للأونروا كانت تؤوي 300 ألف لاجئ، وشنت هجمات على إسرائيل من جنوب لبنان. وباعتبارها مقراً للمقر العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت بيروت معقلاً للعدو بالنسبة لإسرائيل، مما أدى إلى هجمات متعددة هدفت إلى تقويض الدعم الشعبي للفلسطينيين وزرع الانقسامات بين الفلسطينيين واللبنانيين.
وقد مهد هذا الطريق للحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت في الفترة من 1975 إلى 1989، بين الفلسطينيين وحلفائهم المسلمين ضد النخبة الحاكمة المسيحية المارونية الرجعية، المدعومة من إسرائيل.
وكان من المقرر أن تتلقى إسرائيل الدعم من جهة غير متوقعة. في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية في لبنان، عندما بدا أن قوات الكتائب الفاشية تواجه خطر الهزيمة، تدخل الجيش السوري للحفاظ على الدولة اللبنانية والمؤسسة المارونية، فقصف تل الزعتر، مخيم اللاجئين الفلسطينيين الكبير في شرق بيروت تحت حصار القوات اللبنانية، مما أدى إلى تحويله إلى أنقاض ومقتل ما لا يقل عن 1500 فلسطيني في أغسطس 1976.
وقعت مصر اتفاقية مع إسرائيل في كامب ديفيد عام 1978، ضمنت حياد أهم دولة عربية في حالة قيام إسرائيل بمهاجمة أي من جيرانها الآخرين. وقد مكن هذا إسرائيل من غزو لبنان في يونيو/حزيران 1982. وكانت المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في لندن، على يد فصيل فلسطيني معادي لعرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، بمثابة الذريعة لطرد منظمة التحرير الفلسطينية ـ وسوريا من لبنان.
بعد أن هاجمت إسرائيل القوات السورية في وادي البقاع في لبنان وقصفت أكثر من 60 طائرة سورية في المرحلة الأولى من الغزو، مما أدى إلى تحييد سوريا بشكل فعال لبقية الحملة، لم يبق أي من الأنظمة العربية، بما في ذلك تلك الموجودة في 'جبهة الصمود'. وهبت الدولتان اللتان يُنظر إليهما على أنهما الأكثر تأييدا للفلسطينيين، الجزائر وليبيا، للدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية. حدث هذا في وقت كان العراق متورطا في حرب استمرت ثماني سنوات ضد إيران
واستمرت هجمات القوات العربية على الفلسطينيين حتى بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. وفي سبتمبر/أيلول 1982، قامت قوات الكتائب، تحت حماية الجيش الإسرائيلي، بذبح حوالي 3000 رجل وامرأة وطفل فلسطيني في حي صبرا ومخيم شاتيلا المجاور للاجئين في بيروت.
وكما قال كروكر، كانت هذه مجرد واحدة من العديد من المذابح.
وبعد ثلاث سنوات، في عام 1985، قام الشيعة اللبنانيون في حركة أمل، إلى جانب فصائل إسلامية وفلسطينية أخرى، بفرض حصار لمدة ثلاث سنوات تقريباً على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، فيما أصبح يعرف باسم 'حرب المخيمات'. ' وبدعم من دمشق، التي كانت تخشى أن تستخدم إسرائيل الفلسطينيين كذريعة لغزو سوريا، ومن طهران، كان هدفهم هو إزاحة أنصار فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأدى ذلك إلى مقتل عدة آلاف من الفلسطينيين، وإصابة عدد أكبر دون أن يكون هناك دولة مجاورة ترغب في استضافة منظمة التحرير الفلسطينية
أحد أكثر الروايات كاشفة في المقابلة التي أجراها كروكر هو وصفه للمشكلات التي واجهتها الولايات المتحدة أثناء تنظيم عملية إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية، في أعقاب القصف الإسرائيلي الضخم على لبنان وحصار بيروت الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 19 ألف شخص. لقد ثبت أنه من الصعب للغاية العثور على دولة عربية مستعدة لتوفير موطن لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها. وقال كروكر إنه في حين اتفقت ليبيا والسودان على قبول عدد قليل من الفلسطينيين:
لا أعرف كيف نجحنا في إقناع التونسيين بقبول قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. إن أحد أصعب الأجزاء في الجهد الدبلوماسي برمته لإنهاء القتال كان يتضمن محاولة العثور على مواقع لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواعدها، لأن لا أحد كان يريدها. وكانت تلك محادثات صعبة للغاية. ومرة أخرى، اللافت للنظر أن السوريين لم يقبلوا أياً منها. ولم نسأل الأردن حتى. وهكذا كانت الحال بالنسبة لتلك البلدان الأبعد، والتي لم تكن متورطة بشكل مباشر في الصراع والتي لا يوجد بها عدد كبير من السكان الفلسطينيين. وانتهى الأمر بتونس بالمقر… أعتقد أن التونسيين قبلوا في النهاية لأنهم شعروا أن عدم وجود سكان فلسطينيين يعني أنه من غير المرجح أن يتزعزع استقرارهم الداخلي بسبب ذلك.
سوريا
وأشار كروكر إلى أن عرفات وحركة فتح التي تزعمها، والتي تمتعت إيديولوجيتها القومية العلمانية بقبول واسع، شكلا تهديداً خاصاً لسوريا. ولم يكن 'دعم' ذلك البلد الضعيف وغير المستقر للقضية الفلسطينية أكثر من مجرد محاولة للسيطرة على الجماهير الفلسطينية واستخدامها كبيادق في مناورات سياسية في الداخل والخارج لخدمة المصالح الوطنية السورية، وبشكل أدق، مصالح الزمرة الحاكمة. ومن هنا تدخلت في تحالف فعلي مع إسرائيل ضد الفلسطينيين في عام 1976، عندما بدا وكأن لبنان قد ينقسم إلى قسمين، وذلك لتعزيز قوى الكتائب.
وقد أدى الغزو الإسرائيلي اللاحق للبنان في عام 1982 خدمة حيوية لدمشق، التي عانت هي نفسها من حرب أهلية ضد جماعة الإخوان المسلمين، 'إلى تفكيك هياكل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وإجبار منظمة التحرير الفلسطينية على الانسحاب من بيروت'.
كان من المفترض أن تؤدي أيديولوجية فتح إلى رفض معظم الأنظمة العربية استضافة منظمة التحرير الفلسطينية بعد طردها من لبنان عام 1982، لكن كراهيتها للفلسطينيين كانت شيئاً، كما قال كروكر، فشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإسرائيل في فهمه واستغلاله. . واستشهد كمثال بفشل إسرائيل في التوصل إلى اتفاق مع سوريا، وهو ما قال إنه كان ممكنا تماما في كانون الثاني/يناير 2000، وكان من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عزلة عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية.
أكتوبر 2023 والأنظمة العربية
وبالتقدم سريعا ًإلى عام 2023، ليس لدى نتنياهو الآن أي نية لتجاهل هذه النصيحة. وهو لا يتردد أبداً في اعتبار دعم إيران لحماس وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن تهديداً لاستقرار الأنظمة العربية. إن ثقته في المضي قدماً في الهجوم البري على رفح تعتمد على دعم الأنظمة العربية، وهو ما ظهر بوضوح خلال الأشهر الخمسة الماضية.
ولم يجد أي من منتجي النفط العرب في الخليج أنه من المناسب حتى اقتراح فرض حظر نفطي على داعمي إسرائيل، كما فعلوا بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. ولم تقم مصر ولا الأردن، اللتان وقعتا معاهدات مع إسرائيل، بإلغاء معاهداتهما. ولم تسع أي من الدول التي وقعت اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهام ، وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين (بموافقة الجهة الممولة لها، المملكة العربية السعودية) والمغرب والسودان ، إلى إبطال الاتفاقيات. والأردن فقط، الذي أكثر من نصف سكانه من أصل فلسطيني، هو الذي سحب سفيره من إسرائيل.
لم تفعل الحرب شيئاً لعرقلة جهود واشنطن المستمرة منذ فترة طويلة للتوسط في اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وحتى دعم الرياض الاسمي لما يسمى بحل الدولتين أصبح شيئاً من الماضي. ففي سبتمبر/أيلول، قال الحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، في مقابلة تلفزيونية إنه لا يطالب بحل الدولتين، لكنه يأمل فقط في التوصل إلى اتفاق من شأنه 'تسهيل حياة الفلسطينيين'. وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لشبكة CNN إن مثل هذه المعاهدة تعتمد على 'مسار قابل للتطبيق لإنشاء دولة فلسطينية'
وفي هذه الأثناء، يستمر تعاون السعوديين مع إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالاستثمار والتجارة في معدات التكنولوجيا الفائقة ومعدات المراقبة الإسرائيلية.
ويلعب الأردن، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، دوراً رئيسياً في الحفاظ على أداء الاقتصاد الإسرائيلي. مع اتخاذ السفن الطريق حول كيب هورن لتجنب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن في البحر الأحمر التي لها صلات بإسرائيل أو داعميها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، توفر الأنظمة العربية 'ممراً برياً' لنقل البضائع إلى إسرائيل .
واصلت جميع الأنظمة العربية التجارة مع إسرائيل، التي أصبحت مصدرها المفضل لتكنولوجيا المراقبة والقرصنة المستخدمة للسيطرة على النشاط السياسي والمعارضين بين شعوبها المضطربة. وتعد الدول العربية الموقعة على اتفاقيات إبراهام ثالث أكبر مشتري للأسلحة الإسرائيلية.
عارض جزار القاهرة، عبد الفتاح السيسي، الذي استخدم الجيش لفترة طويلة للعمل كحارس سجن في غزة نيابة عن إسرائيل، خطط إسرائيل لدفع 2.3 مليون فلسطيني في غزة إلى صحراء سيناء المصرية. ولم يكن ذلك بسبب أي قلق على الفلسطينيين، بل خوفاً من أن يصبحوا محور معارضة سياسية أوسع لنظامه، وللإمبريالية الأمريكية وجميع حلفائها في المنطقة. وكان اقتراحه المضاد هو إيواءهم في صحراء النقب الإسرائيلية بدلاً من سيناء، 'إلى أن تصبح إسرائيل قادرة على هزيمة حماس والجهاد الإسلامي. وبعد ذلك يمكن للفلسطينيين العودة إلى وطنهم'.
وأمر الجيش بتحصين حدود مصر مع غزة لمنع الفلسطينيين من الفرار إلى سيناء. وإذا نجح الفلسطينيون في اختراق الحدود المعززة، فسيتم إيواؤهم في معسكر اعتقال قيد الإنشاء في شمال سيناء حتى يتمكنوا من العودة إلى غزة.
كان السيسي هو أول من طرح خططاً لـ 'تنشيط' السلطة الفلسطينية في الدوحة في ديسمبر الماضي في اجتماع للحلفاء العرب الرئيسيين للإمبريالية الأمريكية في المنطقة من خلال إقامة حكومة مؤقتة جديدة للسلطة الفلسطينية من 'التكنوقراط' ستنظم برلمانات ونقابات و انتخابات رئاسية لتحديد إدارة ما بعد الحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتلخص دور السلطة الفلسطينية في حراسة سجن مفتوح ساهمت الأنظمة العربية في إنشائه، ليس فقط في غزة، بل وأيضاً في الضفة الغربية.
وفي التحليل النهائي، تهدف تلك الجهود للتوصل إلى مثل هذه الخطة لتحقيق الاستقرار في المنطقة وإن كانت غير قابلة للتنفيذ وغير مقبولة أيضاً من قبل إسرائيل، تهدف إلى الحصول على التزام واشنطن بدعم 'أمنهم' في حالة حدوث صراع جديد من نوع 'الربيع العربي' أو الحركة الجماهيرية للإطاحة بهم، وتحييد التهديد الحوثي للمملكة العربية السعودية وشن حرب ضد إيران، التي دعمت القوى المعارضة لحكمهم، كجزء من استعدادات واشنطن للحرب على الصين.
الطريق الى الامام
إن اضطهاد الشعب الفلسطيني لم يستمر بسبب العنف الإسرائيلي والقوة العسكرية فحسب، بل بسبب خيانة البرجوازية العربية. إن اصطفاف الدول العربية مع إسرائيل والإمبريالية الأمريكية يدل على الانهيار السياسي النهائي لجميع الأنظمة التي ظهرت بعد التقسيم الإمبريالي بعد الحرب العالمية الأولى للشرق الأوسط الغني بالموارد من قبل بريطانيا وفرنسا.
علاوة على ذلك، فإن الفلسطينيين، بقيادة عرفات وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية - في ظل منظورهم الخاص بدولة قومية فلسطينية يتم تحقيقها عن طريق الكفاح المسلح وبدعم من الأنظمة العربية والاتحاد السوفيتي - لم يتمكنوا من طرح مقترحاتهم وفق منظور وبرنامج قادر على توحيد الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في المنطقة في ما هو في الأساس صراع دولي. واليوم أصبحت قيادة السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح تحت قيادة محمود عباس شريكة في القمع الهمجي الإسرائيلي، حيث تهتم فقط بضمان امتيازات الضفة الغربية ومليارديرات الشتات، وتعتمد على العمل كقوة شرطة لواشنطن والقدس.
توفر هذه الأحداث المأساوية تأكيدا قويا لنظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة، مما يدل على أنه في العصر الإمبريالي، لا يستطيع العمال والجماهير المضطهدة في البلدان الأقل تقدما تحقيق أي من احتياجاتهم الأساسية،مثل التحرر من الاضطهاد الإمبريالي، والحقوق الديمقراطية، وفرص العمل، المساواة الاجتماعية ، تحت قيادة أي قسم من البرجوازية الوطنية.
في ظل ظروف الاقتصاد المعولم، ونهاية الحرب والإبادة الجماعية، لا يقع الاضطهاد الوطني والاستغلال الاجتماعي على طول طريق وطني، بل على طول طريق دولي واشتراكي. إنه تتطلب استيلاء الطبقة العاملة على السلطة كجزء من النضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية. ويبدأ ذلك بشن نضال حازم لتوحيد الطبقة العاملة، العربية والفارسية واليهودية والكردية وعبر جميع الانقسامات القومية والعرقية والدينية الأخرى، من أجل اتحاد اشتراكي للشرق الأوسط. إنه يتطلب بناء قيادة جديدة، هي اللجنة الدولية للأممية الرابعة.